حريق ضخم في مستودع نفط بالقرم بعد هجوم بطائرة مسيّرة أوكرانية
اندلع حريق هائل في منشأة لتخزين الوقود في مدينة سيفاستوبول الساحلية بشبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها روسيا، وذلك في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أبريل 2023. وأفادت السلطات التي عينتها موسكو في المنطقة أن الحريق نجم عن هجوم بطائرة مسيّرة، ووجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى أوكرانيا. غطت أعمدة الدخان الكثيفة سماء المدينة، حيث وُصف الحريق بأنه وصل إلى أعلى درجات التعقيد، مما استدعى استجابة واسعة من فرق الطوارئ لإخماده.

تفاصيل الهجوم وتداعياته
وقع الهجوم على مستودع نفط يقع في منطقة خليج كازاتشيا في سيفاستوبول، وهي الميناء الرئيسي لأسطول البحر الأسود الروسي. وذكر حاكم المدينة المعين من قبل روسيا، ميخائيل رازفوزاييف، أن طائرتين مسيّرتين استهدفتا المنشأة، وتمكنت إحداهما من الوصول إلى خزانات الوقود وإشعالها، بينما تم اعتراض الأخرى. أظهرت الصور ومقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي ألسنة اللهب تتصاعد من عدة خزانات وقود ضخمة، مما خلق سحابة سوداء هائلة يمكن رؤيتها من على بعد كيلومترات.
وفقًا للتقارير الأولية، أتى الحريق على أربعة خزانات وقود على الأقل، بسعة إجمالية تقدر بحوالي 40 ألف طن من المنتجات النفطية. وعلى الرغم من حجم الحريق الهائل، أكدت السلطات المحلية عدم وقوع أي إصابات بين السكان أو العاملين في المنشأة، وأن الحريق لم يمثل تهديدًا مباشرًا للمناطق السكنية المجاورة. وقد استغرق رجال الإطفاء ساعات طويلة للسيطرة على الحريق ومنع امتداده إلى خزانات أخرى في الموقع.
الخلفية والسياق العسكري
جاء هذا الهجوم في فترة حرجة من الصراع، حيث كانت أوكرانيا تستعد لشن هجوم مضاد واسع النطاق لاستعادة الأراضي التي تحتلها روسيا. وتعتبر شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا بشكل غير قانوني في عام 2014، مركزًا لوجستيًا وعسكريًا حيويًا للقوات الروسية. وتُستخدم موانئها وقواعدها كنقاط انطلاق رئيسية لدعم العمليات العسكرية في جنوب أوكرانيا، بالإضافة إلى كونها قاعدة لأسطول البحر الأسود الذي يلعب دورًا مهمًا في فرض الحصار البحري وشن هجمات صاروخية.
شهدت الأشهر التي سبقت هذا الحادث تزايدًا في الهجمات على أهداف عسكرية وبنية تحتية روسية في شبه جزيرة القرم ومناطق أخرى خلف خطوط الجبهة. وشملت هذه الهجمات استهداف قواعد جوية، وخطوط سكك حديدية، ومستودعات ذخيرة، مما يشير إلى استراتيجية أوكرانية تهدف إلى إضعاف القدرات اللوجستية الروسية وتعطيل خطوط إمدادها قبل بدء الهجوم البري.
ردود الفعل والمسؤولية
في حين سارعت السلطات الروسية في القرم إلى اتهام أوكرانيا بالوقوف وراء الهجوم، التزمت كييف بسياستها المعتادة من الغموض الاستراتيجي، حيث لم تعلن مسؤوليتها بشكل رسمي. ومع ذلك، أصدرت مديرية المخابرات العسكرية الأوكرانية (GUR) بيانًا وصفت فيه الحادث بأنه "عقاب إلهي" على الهجوم الروسي الذي استهدف مدينة أومان الأوكرانية في اليوم السابق وأسفر عن مقتل مدنيين. وقال المتحدث باسم المخابرات الأوكرانية، أندريه يوسوف، إن تدمير البنية التحتية اللوجستية الروسية هو جزء من الاستعدادات للعمليات الدفاعية الأوكرانية المقبلة، مما يعد تلميحًا قويًا إلى تورط بلاده.
الأهمية الاستراتيجية للحادث
يحمل استهداف مستودع الوقود في سيفاستوبول أهمية استراتيجية كبيرة تتجاوز الأضرار المادية المباشرة. ويُعتقد أن المنشأة كانت تزود سفن أسطول البحر الأسود بالوقود، مما يعني أن تدميرها يؤثر بشكل مباشر على قدرة الأسطول على تنفيذ مهامه. ويمكن تلخيص التأثيرات الاستراتيجية في عدة نقاط رئيسية:
- تعطيل اللوجستيات: يؤدي تدمير مخزونات الوقود إلى تعقيد عمليات الإمداد للقوات الروسية، ليس فقط البحرية، بل قد يؤثر أيضًا على الوحدات البرية المنتشرة في جنوب أوكرانيا.
- إظهار القدرات الأوكرانية: يبرهن الهجوم على قدرة أوكرانيا المتنامية على تنفيذ هجمات دقيقة وبعيدة المدى، مما يضع الأصول العسكرية الروسية في القرم تحت تهديد مستمر.
- التأثير النفسي: يبعث الهجوم رسالة قوية بأن شبه جزيرة القرم، التي قدمتها موسكو على أنها "حصن منيع"، لم تعد آمنة. وهذا يقوض الروح المعنوية للقوات الروسية والسكان الموالين لها في المنطقة.
في المجمل، يمثل هذا الهجوم حلقة مهمة في سلسلة العمليات التي تهدف إلى إضعاف القبضة العسكرية الروسية على الأراضي المحتلة، ويشكل جزءًا لا يتجزأ من التمهيد الميداني للمعركة الأوسع لاستعادة السيادة الأوكرانية.





