حقيقة فيديو "مغارة الذهب" المتداول بين تركيا ولبنان وسوريا
خلال الأشهر الأخيرة، انتشر مقطع فيديو بشكل واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتيك توك وواتساب، مثيراً ضجة كبيرة في عدة دول في الشرق الأوسط. يُظهر الفيديو ما يبدو أنها مغارة أو كهف قديم يفيض بالكنوز والتحف الذهبية والتماثيل الأثرية المتلألئة. أُرفقت مع الفيديو ادعاءات متضاربة، حيث نسبه البعض إلى اكتشاف أثري حديث في تركيا، بينما زعم آخرون أنه عُثر عليه في سوريا أو لبنان، مما أدى إلى حالة من الجدل والتكهنات حول صحته ومصدره.

كشف الحقيقة: عمل فني رقمي وليس اكتشافاً أثرياً
بعد تزايد انتشار الفيديو، قامت العديد من منصات التحقق من الأخبار، ومن ضمنها خدمة تقصي الحقائق التابعة لوكالة فرانس برس، بالتحقيق في أصل المقطع. وكشفت النتائج بشكل قاطع أن الفيديو ليس حقيقياً ولا يصور أي اكتشاف أثري فعلي. في الواقع، المشاهد المعروضة هي عبارة عن عمل فني رقمي متقن تم إنشاؤه باستخدام تقنيات التصميم الحاسوبي والصور المولدة بواسطة الكمبيوتر (CGI).
أظهرت التحقيقات أن الفيديو من تصميم فنان رقمي يُدعى أحمد شاكر، والذي دأب على نشر أعمال فنية مشابهة عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي. يتخصص الفنان في إنشاء مشاهد خيالية وتاريخية تتميز بواقعيتها العالية، وغالباً ما يوضح في منشوراته الأصلية أنها مجرد أعمال فنية رقمية. ومع ذلك، عند إعادة نشر مقاطعه من قبل مستخدمين آخرين، يتم غالباً حذف هذا السياق المهم، وتقديمها على أنها لقطات حقيقية بهدف جذب التفاعل والمشاركات.
سياق الانتشار الواسع والمعلومات المضللة
اعتمد نجاح الفيديو في الانتشار على عدة عوامل. أولاً، الجودة البصرية العالية للمشاهد جعلت من الصعب على المشاهد العادي التمييز بين الحقيقة والخيال. ثانياً، استغل المقطع شغفاً ثقافياً واسعاً بقصص الكنوز المفقودة والاكتشافات الأثرية التي تثير المخيلة. ثالثاً، تم تكييف الادعاءات المرافقة للفيديو لتناسب سياقات محلية مختلفة، مما ساهم في انتشاره عبر حدود دول متعددة.
ارتبطت بعض المنشورات المضللة بروايات شعبية ونظريات مؤامرة حول كنوز مخبأة تعود لحضارات قديمة، بينما ربطها آخرون بنبوءات دينية. هذا التنوع في الروايات سمح للفيديو بالتردد في دوائر اجتماعية وثقافية مختلفة، مما زاد من زخمه الفيروسي خلال الفترة الممتدة بين أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024.
أهمية التحقق في عصر المحتوى الرقمي
تُعد قضية فيديو "مغارة الذهب" مثالاً واضحاً على التحديات التي يفرضها المحتوى الرقمي المضلل. فهي تسلط الضوء على السهولة التي يمكن بها إنشاء وتوزيع محتوى مزيف يبدو واقعياً، وقدرته على خداع ملايين المستخدمين في فترة زمنية قصيرة. يؤكد الخبراء في مجال الإعلام الرقمي على أهمية تطوير مهارات التفكير النقدي لدى الجمهور، وضرورة التحقق من مصدر المعلومات ومصداقيتها قبل قبولها أو إعادة نشرها. وتلعب منصات تقصي الحقائق دوراً حيوياً في هذا السياق، حيث تعمل على تفنيد الادعاءات الكاذبة وتقديم الأدلة التي تساعد المستخدمين على فهم حقيقة ما يشاهدونه عبر الإنترنت.





