حماس تبدي استعداداً للمرونة سعياً لتحقيق التوافق الوطني الفلسطيني
في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها القضية الفلسطينية، وخصوصاً مع استمرار الحرب في قطاع غزة، عادت مساعي المصالحة الوطنية الفلسطينية إلى الواجهة بقوة. وفي هذا السياق، صدرت عن حركة حماس خلال الأسابيع الأخيرة إشارات متعددة تؤكد استعدادها لإبداء قدر كبير من المرونة بهدف إنهاء حالة الانقسام وتحقيق التوافق مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، وعلى رأسها حركة فتح.

خلفية الانقسام ومحاولات المصالحة السابقة
تعود جذور الانقسام الفلسطيني إلى منتصف عام 2007، عندما سيطرت حركة حماس عسكرياً على قطاع غزة بعد مواجهات مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية التي تقودها حركة فتح. ومنذ ذلك الحين، انقسمت الإدارة الفلسطينية بين حكومتين: واحدة في رام الله بالضفة الغربية تديرها فتح، وأخرى في غزة تديرها حماس. وعلى مر السنوات، بُذلت جهود عديدة لرأب الصدع، وأسفرت عن توقيع اتفاقيات مصالحة عدة بوساطات عربية وإقليمية، مثل اتفاق مكة (2007)، واتفاق القاهرة (2011)، واتفاق الشاطئ (2014)، وصولاً إلى إعلان الجزائر (2022). إلا أن جميع هذه المحاولات لم تنجح في تحقيق تطبيق فعلي على أرض الواقع بسبب الخلافات العميقة حول قضايا جوهرية مثل البرنامج السياسي، والسيطرة الأمنية، ودمج الموظفين.
التطورات الأخيرة في ضوء حرب غزة
أعطت الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 زخماً جديداً لضرورة توحيد الصف الفلسطيني لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة، بما في ذلك إدارة القطاع وإعادة إعماره، والمسار السياسي المستقبلي. وفي هذا الإطار، أكد قادة من حماس، من بينهم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، في مناسبات مختلفة، أن الحركة مستعدة للاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة كفاءات مستقلة (تكنوقراط) تتولى إدارة شؤون الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية يتم خلالها التحضير لانتخابات عامة.
وقد جاءت أبرز هذه التصريحات خلال اجتماعات الفصائل الفلسطينية التي عُقدت في موسكو في أواخر فبراير 2024، حيث أبدت الحركة استعدادها للانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، التي تعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني دولياً، على أساس إعادة هيكلتها وتفعيل مؤسساتها لتشمل كافة القوى الوطنية.
أبرز نقاط الحوار وشروط التوافق
تتمحور المباحثات الحالية حول عدة نقاط أساسية تعتبر مفتاحاً لأي اتفاق محتمل. وتظهر المرونة التي تتحدث عنها حماس في استعدادها لمناقشة هذه القضايا بشكل جدي:
- حكومة التوافق: القبول بفكرة حكومة من الخبراء المستقلين غير الفصائليين، تكون مهمتها الأساسية الإغاثة وإعادة الإعمار وتوحيد المؤسسات، والتمهيد لانتخابات رئاسية وتشريعية.
 - منظمة التحرير الفلسطينية: الموافقة على الانضواء تحت مظلة المنظمة، مع المطالبة بإصلاحها لتكون إطاراً وطنياً جامعاً يعكس توازنات القوى الجديدة على الساحة الفلسطينية.
 - البرنامج السياسي: تبقى هذه النقطة هي الأكثر تعقيداً، حيث تشترط حركة فتح والسلطة الفلسطينية التزام أي حكومة قادمة بالشرعية الدولية وبرنامج منظمة التحرير السياسي، وهو ما يعني اعترافاً ضمنياً بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، الأمر الذي لم توافق عليه حماس صراحة حتى الآن.
 
ردود الفعل والتحديات القائمة
قوبلت تصريحات حماس بترحيب حذر من قبل حركة فتح والفصائل الأخرى، التي أكدت على أهمية ترجمة الأقوال إلى أفعال، وضرورة الالتزام ببرنامج منظمة التحرير كأساس لأي شراكة سياسية. من جهة أخرى، يظل الموقف الدولي، وخصوصاً الأمريكي والإسرائيلي، من أبرز التحديات، حيث ترفض كل من واشنطن وتل أبيب أي دور سياسي لحماس في مستقبل غزة أو في أي حكومة فلسطينية. وعلى الرغم من هذه العقبات الكبيرة، يرى المراقبون أن الضغط الذي فرضته الحرب قد يخلق فرصة غير مسبوقة لإجبار الأطراف الفلسطينية على تجاوز خلافاتها والبحث عن صيغة مشتركة لمواجهة المستقبل، مما يجعل هذه الجولة من المباحثات بالغة الأهمية لمستقبل القضية الفلسطينية برمتها.