حياة الفهد: رحلة ستة عقود.. صدفة الانطلاق وتحديات التألق لسيدة الدراما الخليجية
تُعد الفنانة الكويتية حياة الفهد أيقونة فنية ورمزًا للدراما الخليجية على مدار ستة عقود، استطاعت خلالها أن تحجز لنفسها مكانة استثنائية بوصفها "سيدة الشاشة الخليجية". تتجاوز مسيرتها مجرد النجاح لتصبح نموذجًا للعطاء الفني المتواصل، حيث بدأ طريقها بصدفة بسيطة، ثم تشكلت معالمها بتحديات جمة وإصرار لا يلين. هذه الرحلة ليست مجرد تاريخ مهني، بل هي قصة فنانة أثرت المشهد الثقافي وألهمت أجيالًا، محولةً كل عقبة إلى دافع للابتكار والتألق.

مسيرة فنية استثنائية: البدايات والتحديات
بدأت حياة الفهد، التي ولدت في عام 1948، خطواتها الأولى في عالم التمثيل في منتصف الستينيات من القرن الماضي. غالبًا ما يُشار إلى أن دخولها المجال الفني جاء عبر دعوة غير متوقعة أو اكتشاف لموهبتها التي كانت كامنة، مما يرسخ فكرة الصدفة كشرارة أولى. ففي مجتمع كان لا يزال متحفظًا على عمل المرأة في التمثيل، كانت خطوتها الأولى بحد ذاتها تحديًا كبيرًا يتطلب شجاعة وجرأة. لم تكن مجرد مشاركة عابرة، بل كانت بداية لمشروع فني طموح اعتمد بشكل أساسي على فطرتها في التمثيل وقدرتها على تجسيد الشخصيات بصدق وعمق.
على الرغم من طبيعة البداية، إلا أن الصدفة لم تكن وحدها من صنعت نجومية الفهد. فقد تطلبت الاستمرارية في مجال يتسم بالمنافسة والتغيرات السريعة، قدرًا هائلاً من الموهبة المتأصلة والإصرار على تطوير الذات. عملت بجد على صقل أدواتها التمثيلية، لتنتقل من الأدوار الثانوية إلى أدوار البطولة التي تركت بصمتها. كانت كل شخصية تؤديها بمثابة تحدٍ جديد، من خلاله تثبت قدرتها على التكيف والتمثيل في مختلف الأنواع الدرامية، سواء كانت كوميدية أو تراجيدية، تاريخية أو معاصرة.
بصمة لا تُمحى في الدراما الخليجية
خلال العقود الستة الماضية، قدمت حياة الفهد مئات الأعمال الدرامية والمسرحية، وتركت إرثًا فنيًا غنيًا ومتنوعًا. لم تكتفِ بكونها ممثلة بارعة، بل أصبحت رائدة في طرح القضايا الاجتماعية الشائكة من خلال أدوارها، مما جعلها صوتًا مؤثرًا في مجتمعات الخليج. عكست أعمالها واقع المرأة الخليجية وهموم الأسرة، وتناولت قضايا الفقر والتعليم والعادات والتقاليد بأسلوب واقعي ومؤثر. أبدعت في تقديم شخصية الأم والمرأة القوية التي تواجه التحديات، فأصبحت هذه الشخصيات مرادفة لاسمها.
امتازت الفهد بقدرتها الفريدة على الدمج بين الأداء العفوي العميق والاحترافية العالية. فلم تكن مجرد ممثلة تردد النصوص، بل كانت تُضفي على كل دور روحًا خاصة تجعل المشاهد يتفاعل معها بصدق. هذه القدرة على خلق اتصال عاطفي مع الجمهور كانت أحد أهم أسرار استمراريتها وتألقها، وجعلتها محط إعجاب النقاد والجماهير على حد سواء.
التأثير والامتداد: عقود من العطاء
لم يقتصر تأثير حياة الفهد على التمثيل فحسب، بل امتد ليشمل مجالات أخرى في الإنتاج والكتابة، مما يعكس شغفها العميق وتحديها المستمر لتوسيع آفاقها الفنية. هذا التنوع أتاح لها فرصة أكبر في تشكيل المحتوى الدرامي بما يتوافق مع رؤيتها الفنية والاجتماعية. لقد أسهمت في رفع مستوى الإنتاج الدرامي الخليجي، وفتحت الأبواب أمام مواهب جديدة، وأصبحت ملهمة للكثيرين الذين يطمحون لدخول هذا المجال.
يُعد لقب "سيدة الشاشة الخليجية" شهادة على المكانة الرفيعة التي وصلتها، فهو ليس مجرد لقب تكريمي، بل هو اعتراف بتأثيرها الجوهري في تعريف وتشكيل ملامح الدراما في منطقة الخليج العربي. لقد تجاوزت أعمالها الحدود الجغرافية، لتصل إلى جمهور أوسع في العالم العربي، مما يؤكد عالمية فنها وقدرتها على لمس قلوب وعقول المشاهدين بغض النظر عن ثقافتهم.
استمرارية الحضور والتقدير
حتى في الوقت الحاضر، وبعد مرور أكثر من ستين عامًا على بدايتها، لا تزال حياة الفهد تحافظ على حضورها القوي في الساحة الفنية. تشارك بانتظام في الأعمال الدرامية الرمضانية، وتظل محط أنظار الجماهير التي تنتظر جديدها بفارغ الصبر. إن استمراريتها في العطاء الفني، وتجديدها الدائم لأدوارها، يبرهان على حيوية مسيرتها وعلى قدرتها على مواكبة التغيرات في الذوق العام وفي أساليب الإنتاج.
تظل قصة مسيرة حياة الفهد مثالًا يُحتذى به على أن الموهبة الحقيقية، المقرونة بالإصرار والاجتهاد وقبول التحديات، هي المفاتيح الحقيقية لصناعة تاريخ فني حافل بالإنجازات. فما بدأ كصدفة، تحول بفعل الإرادة القوية والعمل الدؤوب إلى إرث فني خالد سيظل يلهم الأجيال القادمة من الفنانين وصناع الدراما في الخليج والوطن العربي.





