دعوات للضغط على البرهان لإنهاء حرب السودان وسط اتهامات بخدمة أجندة الإخوان
في تطور يعكس الانقسامات العميقة في المشهد السوداني، دعت "القوى المدنية المتحدة" (قمم)، وهي إحدى التحالفات المدنية، إلى ممارسة ضغوط داخلية وخارجية على رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، للعودة إلى مسار المفاوضات وإنهاء الحرب الدائرة في البلاد. جاءت هذه الدعوة في أعقاب اتهامات وجهها التحالف للبرهان بتبني خطاب "الحركة الإسلامية" والنظام السابق، مما يعرقل جهود السلام وفقًا لتصريحات صدرت مؤخرًا.
خلفية الصراع والنفوذ السياسي
يشهد السودان منذ أبريل 2023 حربًا مدمرة بين القوات المسلحة السودانية بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي". وقد تسببت الحرب في كارثة إنسانية واسعة النطاق، مع ملايين النازحين واللاجئين وأزمة غذائية حادة تهدد الملايين. وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية المتعددة، بما في ذلك منبر جدة الذي ترعاه المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، إلا أن جميع محاولات التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار باءت بالفشل.
في هذا السياق، تزايدت المخاوف بشأن نفوذ عناصر النظام السابق، المرتبطين بحزب المؤتمر الوطني المحلول و"الحركة الإسلامية"، داخل مؤسسات الدولة والجيش. ويرى العديد من المراقبين والقوى المدنية أن هذه العناصر تسعى إلى إطالة أمد الحرب لضمان عودتها إلى السلطة وتقويض أي انتقال ديمقراطي محتمل في المستقبل، وهو ما يعتبرونه استغلالًا للصراع الحالي لتحقيق أجندات سياسية قديمة.
تصريحات "قمم" والاتهامات الموجهة للبرهان
خلال مؤتمر صحفي عُقد في القاهرة مؤخرًا، صرح رئيس "القوى المدنية المتحدة"، هارون مديخير، بأن الخطاب الأخير الذي اعتمده البرهان، خاصة رفضه التفاوض قبل انسحاب قوات الدعم السريع من المدن والمناطق التي تسيطر عليها، يتماشى بشكل كبير مع الطروحات التي تروج لها قيادات "الحركة الإسلامية". ووصف مديخير هذا الموقف بأنه يعكس تبنيًا لأجندة تهدف إلى استمرار القتال بدلاً من البحث عن حلول سلمية.
وأوضح التحالف أن موقف الجيش المتشدد لا يخدم مصلحة الشعب السوداني، بل يفاقم من معاناته. وحذر من أن استمرار الحرب يهدد بتفكك الدولة السودانية ونسيجها الاجتماعي. ودعت "قمم" إلى ضرورة تشكيل جبهة مدنية واسعة وموحدة تكون قادرة على مواجهة ما وصفته بـ"خطاب الكراهية والتطرف" الذي يغذيه أنصار النظام السابق، والضغط على الأطراف العسكرية للقبول بالحل السلمي.
الدعوات للضغط وإنهاء الحرب
ترتكز دعوة تحالف "قمم" على محورين أساسيين لممارسة الضغط على قيادة الجيش:
- الضغط الداخلي: من خلال توحيد القوى السياسية والمدنية ومنظمات المجتمع المدني في السودان لتكوين صوت واحد يرفض الحرب ويدعو إلى السلام، ويفضح ارتباط قرار الحرب بأجندات سياسية لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية.
 - الضغط الخارجي: عبر مناشدة المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول الإقليمية الفاعلة والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، للعب دور أكثر حزمًا في الضغط على البرهان للعودة إلى طاولة المفاوضات دون شروط تعجيزية.
 
ويرى التحالف أن الحل العسكري أصبح مستحيلًا، وأن الطريق الوحيد لإنقاذ السودان هو عبر عملية سياسية شاملة تبدأ بوقف فوري لإطلاق النار وتؤسس لمرحلة انتقالية جديدة يقودها المدنيون.
الأهمية والسياق الأوسع
تكتسب هذه الاتهامات أهميتها من كونها تسلط الضوء على الصراع الأيديولوجي والسياسي الذي يجري بالتوازي مع الصراع العسكري. فهي لا تصور الحرب على أنها مجرد نزاع بين جنرالين، بل تكشف عن وجود طرف ثالث غير مباشر، متمثل في فلول النظام السابق، يسعى لاستغلال الفوضى لتحقيق مكاسب سياسية. هذه الرؤية تتفق مع تحليلات العديد من الخبراء الذين حذروا من عودة "الدولة العميقة" في السودان.
كما تبرز هذه الدعوات الانقسام بين القوى المدنية نفسها حول كيفية التعامل مع طرفي الصراع، إلا أنها تتفق في مجملها، بما في ذلك تكتلات أخرى مثل "تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية" (تقدم) بقيادة عبد الله حمدوك، على أن الحل يجب أن يكون سلميًا ومدنيًا. ويعكس هذا التحرك الأخير من قبل "قمم" إصرارًا متزايدًا من قطاعات من المجتمع السوداني على عدم السماح للعسكريين أو الإسلاميين بتحديد مستقبل البلاد.