دوافع ترامب للتلويح بولاية ثالثة رغم استحالتها دستوريًا
يثير الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الجدل بشكل متكرر من خلال تلميحاته وتصريحاته حول إمكانية سعيه لولاية رئاسية ثالثة، وهي فكرة تتعارض بشكل مباشر وصريح مع الدستور الأمريكي. على الرغم من أن هذه التصريحات، التي غالبًا ما تُطرح في تجمعاته الانتخابية أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، تبدو غير قابلة للتحقيق من الناحية القانونية، إلا أنها تخدم أهدافًا سياسية وإعلامية واضحة ضمن استراتيجيته الانتخابية المستمرة.

الخلفية الدستورية: التعديل الثاني والعشرون
لفهم سبب استحالة فوز أي رئيس أمريكي بولاية ثالثة، لا بد من العودة إلى التعديل الثاني والعشرين للدستور الأمريكي، الذي تم التصديق عليه في عام 1951. ينص هذا التعديل بوضوح على أنه "لا يجوز انتخاب أي شخص لمنصب الرئيس لأكثر من مرتين". جاء هذا التشريع كرد فعل مباشر على رئاسة فرانكلين ديلانو روزفلت، الذي انتُخب لأربع فترات متتالية، مما أثار مخاوف بشأن تركز السلطة لفترة طويلة في يد شخص واحد. وبالتالي، فإن أي محاولة من جانب ترامب أو أي رئيس آخر خدم فترتين كاملتين للترشح مرة أخرى ستكون غير دستورية بشكل قاطع.
طبيعة تصريحات ترامب وسياقها
عادةً ما يطرح ترامب فكرة الولاية الثالثة في سياقات مختلفة. أحيانًا، يقدمها على شكل مزحة لاستثارة حماس أنصاره، وأحيانًا أخرى يلمح إلى أنه "يستحق" فترة إضافية كتعويض عن التحقيقات التي واجهها خلال فترة رئاسته الأولى، والتي يصفها بأنها "حملة اضطهاد سياسي". خلال فعاليات حملته الانتخابية لعام 2024، كرر ترامب هذه الفكرة مرارًا، مما يضمن بقاءه في صدارة العناوين الإخبارية ويجبر وسائل الإعلام وخصومه على الرد.
التحليل السياسي والدوافع المحتملة
يرى المحللون السياسيون أن حديث ترامب المستمر عن ولاية ثالثة ليس مجرد زلة لسان، بل هو تكتيك مدروس يهدف إلى تحقيق عدة أهداف:
- الهيمنة على المشهد الإعلامي: تضمن مثل هذه التصريحات المثيرة للجدل تغطية إعلامية واسعة، حيث تبقي الأضواء مسلطة عليه وتجبر النقاش العام على الدوران في فلكه.
- تنشيط القاعدة الانتخابية: يستمتع أنصار ترامب بأسلوبه الذي يتحدى الأعراف السياسية التقليدية. فهذه التصريحات تعزز صورته كشخصية قوية لا تخضع للقواعد، مما يزيد من حماسهم وتفاعلهم.
- استفزاز الخصوم: يدفع هذا الخطاب خصومه السياسيين إلى إصدار بيانات منددة، متهمين إياه بتقويض الديمقراطية. ويستغل ترامب ردود الفعل هذه لتقديم نفسه كضحية لهجوم من "المؤسسة السياسية".
- اختبار حدود النظام: يندرج هذا السلوك ضمن نمط أوسع من التشكيك في نزاهة المؤسسات الديمقراطية، مثل الانتخابات والنظام القضائي، وهو ما يهدف إلى تطبيع فكرة تحدي القواعد الراسخة.
الأهمية والتأثير
على الرغم من أن فكرة الولاية الثالثة لا تملك أي فرصة للتحقق من الناحية القانونية، إلا أن أهميتها تكمن في تأثيرها على الخطاب السياسي. إن تكرار طرح أفكار تتجاوز الدستور، حتى على سبيل المزاح، يمكن أن يساهم في تآكل الثقة في المؤسسات الديمقراطية ويجعل من تحدي القوانين أمرًا مقبولاً في نظر شريحة من الناخبين. يؤكد الخبراء القانونيون أن الطريقة الوحيدة لتجاوز التعديل الثاني والعشرين تتطلب عملية تشريعية معقدة وموافقة أغلبية ساحقة من الولايات، وهو سيناريو شبه مستحيل في المناخ السياسي الحالي. في النهاية، يبقى الحديث عن "الولاية الثالثة" أداة بلاغية قوية في ترسانة ترامب السياسية أكثر من كونه طموحًا واقعيًا.