دور مصر المحوري في انتشال جثامين المحتجزين الإسرائيليين بقطاع غزة
في خضم المشهد المعقد الذي أعقب جولات الصراع الأخيرة في قطاع غزة، برز الدور المصري مرة أخرى كعامل حاسم ليس فقط على المستوى الدبلوماسي، بل أيضاً في أحد أكثر الملفات الإنسانية حساسية، والمتمثل في قيادة الجهود الميدانية لاستعادة رفات المحتجزين الإسرائيليين من تحت ركام القطاع. وتأتي هذه التحركات، التي جرت في الأسابيع الأخيرة، في سياق مساعٍ أوسع نطاقاً تبذلها القاهرة، إلى جانب شركاء دوليين، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار وتمهيد الطريق أمام اتفاقيات مستقبلية قد تشمل تبادلاً للأسرى والمحتجزين.

التطورات الأخيرة والعمليات الميدانية
تتولى فرق فنية وهندسية مصرية متخصصة تنفيذ هذه المهمة البالغة الصعوبة، حيث تعمل بالتنسيق مع جهات دولية ومن خلال قنوات تواصل مع الأطراف المعنية على الأرض. وتتطلب عمليات البحث والانتشال جهداً استثنائياً نظراً لحجم الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية والمباني في غزة، مما يجعل الوصول إلى المواقع المحتملة أمراً محفوفاً بالمخاطر. وتستخدم الفرق المصرية معدات ثقيلة وتقنيات متطورة لإزالة الأنقاض والبحث عن الرفات، مع الأخذ في الاعتبار التحديات الأمنية واللوجستية في بيئة ما بعد الصراع.
وتعد هذه العملية جزءاً لا يتجزأ من المباحثات غير المباشرة الجارية، حيث يُنظر إليها كبادرة لبناء الثقة قد تساهم في تذليل العقبات أمام التوصل إلى صفقة شاملة. وتتم هذه الجهود بسرية نسبية لتجنب أي تعقيدات سياسية أو إعلامية قد تؤثر على سير المفاوضات الهشة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.
خلفية تاريخية وسياق دبلوماسي
يعكس هذا الدور المصري امتداداً لعقود طويلة من الوساطة الفاعلة للقاهرة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وبفضل موقعها الجغرافي الفريد وعلاقاتها التاريخية مع كافة الأطراف، لطالما كانت مصر الوسيط الرئيسي في اتفاقيات التهدئة ووقف إطلاق النار وصفقات تبادل الأسرى، مثل صفقة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في عام 2011. وتستند الجهود الحالية إلى هذه الخبرة الدبلوماسية العميقة، مما يمنح مصر مصداقية وقدرة على إدارة الملفات الشائكة التي تعجز أطراف أخرى عن التعامل معها.
وتعمل الدبلوماسية المصرية على ربط هذه المهمة الإنسانية بالمسار السياسي الأوسع، مؤكدة أن تحقيق تقدم في استعادة الجثامين يمكن أن يكون له أثر إيجابي على المناخ العام للمفاوضات، ويشجع الأطراف على تقديم تنازلات ضرورية للتوصل إلى هدنة طويلة الأمد وحل شامل لملف المحتجزين.
الأهمية الاستراتيجية والإنسانية للمهمة
تكتسب جهود انتشال الجثامين أهمية بالغة على مستويين رئيسيين:
- على المستوى الإنساني: تمثل استعادة رفات القتلى واجباً إنسانياً وأخلاقياً يهدف إلى وضع نهاية لمعاناة عائلات المحتجزين، ومنحهم فرصة لدفن ذويهم بشكل لائق. وتنسجم هذه الجهود مع مبادئ القانون الدولي الإنساني التي تؤكد على ضرورة احترام كرامة الموتى في أوقات النزاع.
- على المستوى الاستراتيجي والسياسي: تعزز هذه المهمة مكانة مصر كقوة إقليمية لا غنى عنها في إدارة الأزمات بالشرق الأوسط. كما أنها تبرهن لشركائها الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، على قدرتها على تحقيق نتائج ملموسة على الأرض، مما يدعم دورها المحوري في أي ترتيبات أمنية وسياسية مستقبلية تتعلق بقطاع غزة.
التحديات وردود الفعل
تواجه الفرق المصرية العاملة على الأرض تحديات جسيمة، أبرزها البيئة المادية المدمرة التي تجعل من عمليات البحث أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش. يضاف إلى ذلك الخطر المستمر المتمثل في وجود ذخائر غير منفجرة، فضلاً عن الوضع الأمني الهش الذي قد ينهار في أي لحظة. وعلى الصعيد السياسي، تتطلب المهمة توازناً دقيقاً في التعامل مع المطالب والتوقعات المتباينة من جميع الأطراف. وحتى الآن، تحظى الجهود المصرية بترحيب حذر من المجتمع الدولي الذي يرى فيها خطوة ضرورية نحو تخفيف التوتر، إلا أن التصريحات الرسمية من الأطراف المباشرة تظل محدودة نظراً لحساسية الموقف.





