رسمياً: الليجا تتراجع عن إقامة مباراة برشلونة وفياريال في أمريكا
في تطور يعكس الصراعات المعقدة حول مستقبل كرة القدم العالمية، أعلنت رابطة الدوري الإسباني لكرة القدم، «الليجا»، في أواخر عام 2018، عن تراجعها الرسمي عن خطتها المثيرة للجدل لإقامة إحدى مباريات الدوري على الأراضي الأمريكية. كان القرار يتعلق باحتمالية نقل مباراة تجمع بين فريقي برشلونة وفياريال إلى الولايات المتحدة، ضمن مساعي الرابطة لتوسيع قاعدة جماهيرها وعلامتها التجارية عالمياً. جاء هذا التراجع بعد سلسلة طويلة من الاعتراضات والضغوط من جهات رياضية مختلفة، مما أعاد تسليط الضوء على الحدود الفاصلة بين الطموحات التجارية والقيم الرياضية التقليدية.

الخلفية: الاتفاق والطموح العالمي
تعود جذور هذه القضية إلى إعلان الليجا في أغسطس 2018 عن اتفاقية لمدة 15 عاماً مع شركة «ريليفانت سبورتس»، وهي شركة أمريكية متخصصة في الترويج للمناسبات الرياضية. كان الهدف من هذه الشراكة هو تعزيز حضور الدوري الإسباني في أمريكا الشمالية، من خلال تنظيم مجموعة من الأنشطة الترويجية، وقمة أولاً بإقامة مباراة واحدة على الأقل من مباريات الدوري كل موسم في الولايات المتحدة. وقد رأت الرابطة، بقيادة رئيسها خافيير تيباس، أن هذه الخطوة ضرورية لتنمية الدوري على الصعيد الدولي وزيادة إيراداته، مما يعود بالنفع على الأندية المشاركة ويساهم في تعزيز قدرتها التنافسية.
كانت مباراة برشلونة ضد فياريال واحدة من المباريات التي جرى التفكير جدياً في نقلها، وذلك بالنظر إلى الشعبية الكبيرة لبرشلونة، أحد أكبر الأندية العالمية، مما كان سيضمن حضوراً جماهيرياً وإعلامياً واسعاً في السوق الأمريكية. وقد أظهرت بعض الأندية الكبرى، بما في ذلك برشلونة، موافقة مبدئية على الفكرة، مدفوعة بالفوائد المالية والتسويقية المحتملة.
الاعتراضات الرئيسية ومصدر الضغوط
لم تمر خطة الليجا دون اعتراضات قوية من عدة أطراف رئيسية في عالم كرة القدم. كانت هذه المعارضة متعددة الأوجه وشملت:
- الاتحاد الإسباني لكرة القدم (RFEF): أعرب الاتحاد، برئاسة لويس روبياليس، عن معارضته الشديدة لهذه الخطوة، مشدداً على أن أي قرار يتعلق بتغيير مكان إقامة مباريات الدوري يجب أن يحظى بموافقته. كما أشار إلى مخاوف بشأن نزاهة المنافسة وتأثيرها على العدالة الرياضية، لا سيما فيما يتعلق بفقدان الأندية لحق اللعب على أرضها أمام جمهورها.
- الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA): دخل الفيفا على الخط عبر رئيسه جياني إنفانتينو، الذي صرح بأن مباريات الدوريات المحلية يجب أن تُلعب ضمن حدود البلد الذي ينتمي إليه الدوري. استند الفيفا إلى لوائحه التي تمنع نقل المباريات الرسمية إلى أراضٍ أجنبية دون موافقة جميع الأطراف المعنية، والتي تشمل الاتحادات المحلية والقارية والدولية.
- نقابة اللاعبين الإسبان (AFE): عبرت نقابة اللاعبين، برئاسة ديفيد أغانزو، عن قلقها البالغ بشأن رفاهية اللاعبين وتأثير السفر الطويل والتغيرات الزمنية على صحتهم وأدائهم البدني. كما أكدت النقابة على ضرورة مشاورة اللاعبين قبل اتخاذ مثل هذه القرارات التي تؤثر بشكل مباشر على ظروف عملهم.
- الجماهير: أعربت أعداد من الجماهير، خاصة حاملي التذاكر الموسمية، عن استيائها من فكرة حرمانهم من مشاهدة مباراة لفريقهم على أرضه، مما اعتبروه انتهاكاً لحقوقهم.
مسار الأحداث والتطورات
بعد الإعلان عن الاتفاقية، بدأت الليجا في السعي للحصول على الموافقات اللازمة، إلا أنها واجهت رفضاً قاطعاً من الاتحاد الإسباني. تصاعد التوتر بين الطرفين، حيث لجأت الليجا إلى القضاء الإسباني لتحدي موقف الاتحاد، مؤكدة على حقها في اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة لتطوير الدوري. ومع ذلك، لم تجد الليجا الدعم الكافي من القضاء، بل وتلقت ضربة أخرى عندما أعلن الفيفا عن معارضته الرسمية، ما وضع عقبات تنظيمية وقانونية كبيرة أمام المضي قدماً في الخطة.
في مواجهة هذا الرفض المتزايد والتعقيدات القانونية، وتزايد الضغط من نقابة اللاعبين التي هددت بالإضراب، أُجبرت الليجا في نهاية المطاف على إعادة النظر في قرارها. وفي ديسمبر 2018، أعلنت الرابطة رسمياً تراجعها عن إقامة مباراة في الدوري الإسباني في الولايات المتحدة خلال الموسم الكروي 2018-2019، مشيرة إلى "عدم وجود اتفاق مع جميع الأطراف المعنية" كسبب رئيسي.
تداعيات القرار وأهميته
يمثل تراجع الليجا نقطة تحول مهمة في الجدل الدائر حول تدويل الدوريات المحلية. فقد أثبتت هذه القضية أن الطموحات التجارية، وإن كانت مشروعة، لا يمكن أن تتجاوز الاعتبارات الرياضية والتنظيمية والأخلاقية. أكد القرار على سيادة الاتحادات المحلية والدولية في تنظيم مسابقاتها، وشدد على أهمية الحفاظ على نزاهة المنافسة ورفاهية اللاعبين.
<أكثر منعلى الرغم من هذا التراجع، لم تتخل الليجا تماماً عن رؤيتها لتوسيع حضورها العالمي. فقد واصلت الرابطة جهودها الترويجية في أمريكا الشمالية ودول أخرى عبر شراكات مختلفة، ولكن دون نقل مباريات الدوري الرسمية. يظل النقاش مفتوحاً حول كيفية تحقيق التوازن بين التوسع التجاري والحفاظ على جوهر اللعبة، وتظل قضية إقامة مباريات الدوريات الكبرى خارج أراضيها الأصلية ملفاً شائكاً يتطلب توافقاً واسعاً بين جميع أصحاب المصلحة في المستقبل.





