شغف أثرياء التكنولوجيا بالجوجيتسو: دوافع من زوكربيرغ إلى ماسك
تحولت رياضة الجوجيتسو البرازيلية، التي كانت تُعد في السابق فنًا قتاليًا متخصصًا، إلى ظاهرة بارزة بين نخبة أثرياء التكنولوجيا وقادة الأعمال حول العالم. هذا التحول ليس مجرد مصادفة، بل يعكس بحثًا عميقًا عن تحديات تتجاوز حدود الابتكار الرقمي والنجاح المالي. من بين أبرز الوجوه التي تعتنق هذه الرياضة نجد مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، وإيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركتي تسلا وسبيس إكس، بالإضافة إلى شخصيات مؤثرة أخرى مثل دان شولمان الرئيس التنفيذي السابق لباي بال، وأندرو ويلسون الرئيس التنفيذي لـ إي إيه للألعاب.

رياضة الجوجيتسو البرازيلية: فن، علم، وتحدي
الجوجيتسو البرازيلية هي فن قتالي ودفاع عن النفس يركز على المصارعة الأرضية وتقنيات الإخضاع، مثل الخنق ومفاصل المفاصل. نشأت هذه الرياضة في أوائل القرن العشرين من الجودو اليابانية، وتم تطويرها وتكييفها في البرازيل بواسطة عائلة غرايسي. جوهر الجوجيتسو لا يكمن في القوة البدنية الخام، بل في الاستفادة من الرافعة المالية والتقنية والميكانيكا الحيوية للتغلب على خصم أكبر وأقوى. لهذا السبب، غالبًا ما يشار إليها باسم «شطرنج البشر»، حيث تتطلب تفكيرًا استراتيجيًا عميقًا وقدرة على التكيف مع المواقف المتغيرة بسرعة. تُعلِّم الجوجيتسو الصبر، والمثابرة، والقدرة على تحليل المواقف المعقدة تحت الضغط، وهي مهارات يُقدرها للغاية أولئك الذين يعملون في بيئات عالية المخاطر والتنافس.
لماذا تجذب الجوجيتسو قادة التكنولوجيا؟
يكمن السر وراء جاذبية الجوجيتسو المتزايدة بين أقطاب التكنولوجيا في تلبية احتياجات متعددة تتجاوز مجرد اللياقة البدنية، وتلامس جوانب عقلية ونفسية حاسمة:
- التحدي العقلي والاستراتيجي: يجد قادة التكنولوجيا في الجوجيتسو صدى لتحديات عالم الأعمال. فكلاهما يتطلب حل المشكلات المعقدة، والتفكير المسبق لعدة خطوات، والتكيف السريع مع المتغيرات، وتحديد نقاط الضعف في استراتيجيات الخصم. إنها تدريب مكثف على اتخاذ القرارات السريعة والفعالة في مواقف متقلبة، وهي مهارات لا غنى عنها في قيادة شركات تكنولوجية عملاقة.
- إدارة التوتر والانفصال عن الشاشات: يقضي أثرياء التكنولوجيا ساعات طويلة أمام الشاشات في بيئات عمل تتسم بضغوط هائلة وتركيز رقمي متواصل. توفر الجوجيتسو ملاذًا فريدًا يفرض التركيز الكامل على اللحظة الحالية والاتصال الجسدي، مما يسمح لهم بالانفصال التام عن ضغوط العمل الرقمي. هذا التركيز الذهني يُسهم في تخفيف التوتر، وتعزيز الوضوح الذهني، وتجديد الطاقة الإبداعية.
- التواضع والانضباط: تعد تجربة «الاستسلام» (tapping out) جزءًا أساسيًا من تعلم الجوجيتسو، حيث تعني الاعتراف بالهزيمة المؤقتة عندما يفرض الخصم تقنية إخضاع. هذه التجربة تعلم التواضع وتقبل نقاط الضعف، وهي دروس قيمة حتى لأكثر الشخصيات نفوذًا ونجاحًا. كما أن الانضباط المطلوب للتدريب المنتظم، وتعلم الحركات المعقدة، والالتزام بقواعد الاحترام في «الدوجو» (مكان التدريب) يعزز سمات شخصية مهمة في القيادة والحياة.
- اللياقة البدنية والصحة: إلى جانب الفوائد العقلية والنفسية، توفر الجوجيتسو تمرينًا بدنيًا شاملاً وقويًا يحسن القوة والمرونة والقدرة على التحمل واللياقة القلبية الوعائية. هذا يساهم في الحفاظ على صحة بدنية ممتازة، والتي غالبًا ما تكون ضرورية للحفاظ على مستويات عالية من الأداء العقلي والتركيز المطلوب في عالم الأعمال.
- بناء المجتمع والعلاقات: على عكس عالم التكنولوجيا التنافسي والذي يمكن أن يكون منعزلاً، توفر صالات الجوجيتسو بيئة مجتمعية داعمة ومترابطة. يمكن لقادة التكنولوجيا بناء علاقات مبنية على الاحترام المتبادل، والهدف المشترك، والتعاون، بعيدًا عن ديناميكيات السلطة والمنافسة المهنية التي غالبًا ما تسود بيئة عملهم.
أمثلة بارزة وتطورات حديثة
في الأشهر الأخيرة، ازداد الاهتمام الإعلامي بممارسة أقطاب التكنولوجيا للجوجيتسو، لا سيما بعد بروز نجاحات لافتة وتوثيق التزامهم بهذه الرياضة:
- مارك زوكربيرغ: أظهر الرئيس التنفيذي لشركة ميتا شغفًا واضحًا وغير متوقع بالجوجيتسو. في مايو 2023، تنافس زوكربيرغ في أول بطولة له في الجوجيتسو وحقق ميداليات ذهبية وفضية في فئتي الوزن والجيو (الزي الخاص بالرياضة)، مما أثار إعجاب مجتمع الفنون القتالية ومتابعيه على حد سواء. أظهرت صوره ومقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي تحولًا بدنيًا ملحوظًا، مؤكدًا التزامه الجاد بالرياضة. زوكربيرغ نفسه أشار إلى أن الجوجيتسو تساعده على التركيز وتجاوز تحدياته المهنية، مشبهًا خوض النزالات بحل المشكلات المعقدة.
- إيلون ماسك: على الرغم من أن ماسك لم يشارك علنًا في مسابقات رسمية، إلا أنه تحدث عن تدريبه على الجوجيتسو، وظهر في صور ومقاطع فيديو وهو يتدرب مع شخصيات بارزة مثل ليكس فريدمان، الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي ومضيف البودكاست المعروف، الذي هو نفسه حزام أسود في الجوجيتسو. يعكس اهتمامه بالرياضة رغبته في الحفاظ على لياقته البدنية وتجهيز نفسه لأي سيناريوهات مستقبلية، وهو ما يتوافق مع شخصيته التي تتسم بالاستعداد الدائم للتحديات والتفكير المستقبلي.
- دان شولمان وأندرو ويلسون: يضاف إلى هؤلاء دان شولمان، الرئيس التنفيذي السابق لشركة باي بال، والذي يُعرف بأنه ممارس شغوف للفنون القتالية، والجوجيتسو على وجه الخصوص، ويطبق مبادئها في حياته العملية. وكذلك أندرو ويلسون، الرئيس التنفيذي لشركة إي إيه للألعاب، الذي يعتبر أيضًا من المتحمسين للجوجيتسو، مما يؤكد أن هذا الاتجاه ليس محصورًا على عدد قليل من الشخصيات الشهيرة، بل يمتد ليشمل قادة كبار في قطاعات مختلفة من التكنولوجيا.
انعكاس الجوجيتسو على عالم الأعمال
يمتد تأثير الجوجيتسو إلى ما هو أبعد من مجرد فوائد صحية أو ترفيهية لأثرياء التكنولوجيا. فالدروس المستفادة من الحصيرة—مثل المثابرة في مواجهة الصعوبات، والقدرة على التفكير بوضوح تحت الضغط، وتحليل الموقف بسرعة لاتخاذ القرار الأمثل—تنعكس بشكل مباشر على أسلوبهم في إدارة شركاتهم. إنها رياضة تعلم كيفية تقييم المخاطر، واستغلال الفرص، والتكيف مع المنافسين، والتعافي من الإخفاقات بسرعة، وهي مهارات لا تقدر بثمن في عالم الأعمال عالي التنافسية. هذه الرياضة توفر لهم منظورًا جديدًا حول المرونة والقدرة على التعافي، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من استراتيجياتهم الشخصية والمهنية. هي ببساطة تمرين ذهني وجسدي يُعِدّهم ليس فقط ليكونوا أفضل في النزالات، بل ليكونوا قادة أكثر حكمة ومرونة في مواجهة التحديات الكبرى.



