طوربيد بوسيدون: سلاح "يوم القيامة" الروسي وقدراته التدميرية
برز في السنوات الأخيرة اسم "بوسيدون" كسلاح استراتيجي جديد في الترسانة الروسية، وهو عبارة عن مركبة غواصة مسيرة تعمل بالطاقة النووية وقادرة على حمل رؤوس نووية. يوصف هذا السلاح بأنه "طوربيد يوم القيامة" أو "قنبلة التسونامي" نظرًا لقدراته التدميرية الهائلة المحتملة، والتي تهدف إلى ضمان قدرة روسيا على الردع النووي حتى في أصعب الظروف.

خلفية وتطوير السلاح
كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسميًا عن نظام بوسيدون، المعروف أيضًا باسمه الرمزي "ستاتوس-6"، في خطابه عن حالة الأمة في مارس 2018. وقد تم تقديمه كجزء من جيل جديد من الأسلحة الاستراتيجية التي وصفها بأنها "لا تقهر"، ومصممة للتغلب على أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية الحالية والمستقبلية. على الرغم من الإعلان الرسمي في عام 2018، تشير التقارير إلى أن تطوير هذا المفهوم يعود إلى حقبة الحرب الباردة، لكن التكنولوجيا الحديثة هي التي مكنت من تحويله إلى نظام سلاح قابل للتطبيق.
قدرات فريدة ومثيرة للجدل
يتميز طوربيد بوسيدون بمجموعة من الخصائص التقنية التي تجعله سلاحًا فريدًا من نوعه، مما يثير قلق المحللين العسكريين في الغرب. تشمل أبرز قدراته ما يلي:
- الدفع النووي: يعتمد بوسيدون على مفاعل نووي مصغر يمنحه مدى غير محدود عمليًا. يمكنه عبور المحيطات والبقاء في وضع الاستعداد لأسابيع أو أشهر قبل تلقي أمر الهجوم، مما يجعله تهديدًا دائمًا ومستترًا.
- السرعة والعمق: تفيد التقارير بأن الطوربيد قادر على الوصول إلى سرعات عالية تحت الماء تفوق سرعة الغواصات والطوربيدات التقليدية. كما يمكنه الغوص إلى أعماق سحيقة تصل إلى كيلومتر واحد أو أكثر، مما يجعله بعيدًا عن متناول معظم أنظمة الكشف والأسلحة المضادة للغواصات الحالية.
- الحمولة النووية: السلاح مصمم لحمل رأس حربي نووي ضخم، تقدر قوته بعدة ميغاطن. هذه القوة التدميرية تتجاوز بكثير قوة الأسلحة النووية التكتيكية، وهي مصممة لإحداث دمار واسع النطاق.
"قنبلة التسونامي" والتأثير الاستراتيجي
جاء لقب "قنبلة التسونامي" من السيناريو الأكثر تدميرًا لاستخدام بوسيدون. فمن خلال تفجير رأسه الحربي الضخم تحت الماء بالقرب من ساحل العدو، يمكن للسلاح إثارة موجات تسونامي عملاقة ومُشعة يصل ارتفاعها إلى عشرات الأمتار. هذه الموجات ستكون قادرة على إغراق مدن ساحلية بأكملها، وتدمير قواعد بحرية وموانئ، وترك مساحات شاسعة من الأراضي ملوثة إشعاعيًا لسنوات. من الناحية الاستراتيجية، يُنظر إلى بوسيدون كسلاح "ضربة ثانية"، أي أنه يضمن قدرة روسيا على الانتقام بفعالية حتى لو تم تدمير صوامع صواريخها ومنصاتها الأرضية في ضربة أولى مفاجئة.
التطورات الأخيرة والانتشار
خلال الأعوام القليلة الماضية، استمرت روسيا في تطوير واختبار النظام. تم تخصيص غواصات نووية خاصة لحمل وإطلاق طوربيدات بوسيدون، وأبرزها الغواصة "بيلغورود" (K-329)، التي تعتبر أطول غواصة في العالم ودخلت الخدمة في البحرية الروسية. تشير تقارير استخباراتية غربية، صدرت خلال عامي 2022 و2023، إلى تحركات لهذه الغواصات وإجراء اختبارات على مكونات نظام بوسيدون، مما يؤكد أن المشروع قد تجاوز مرحلة المفهوم النظري ودخل حيز التنفيذ العملي. ويعتقد أن غواصة "بيلغورود" قادرة على حمل ما يصل إلى ستة طوربيدات من طراز بوسيدون.
ردود الفعل الدولية والتحليلات
أثار تطوير سلاح بوسيدون قلقًا كبيرًا لدى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو). يرى بعض الخبراء أن هذا السلاح يغير قواعد اللعبة في الحرب البحرية والردع النووي، حيث لا توجد حاليًا وسيلة دفاعية فعالة وموثوقة ضده. في المقابل، يشكك محللون آخرون في مدى الجاهزية التشغيلية الكاملة للسلاح، مشيرين إلى التحديات التقنية الهائلة والتكلفة الباهظة للمشروع. ومع ذلك، هناك إجماع على أن وجود بوسيدون، حتى لو كان كأداة ردع فقط، يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى المشهد الأمني العالمي ويزيد من مخاطر سباق التسلح في أعماق البحار.



