عروض عبد الله سلام العقارية تثير جدلاً: تحقيق في حقيقة شقق الـ 5 آلاف جنيه شهرياً
شهد السوق العقاري المصري خلال الفترة الأخيرة حالة من الجدل الواسع، تركزت حول حملة إعلانية ضخمة قادها رجل الأعمال عبد الله سلام، الرئيس التنفيذي لشركة مدينة مصر (مدينة نصر للإسكان والتعمير سابقاً). روّجت الحملة لوحدات سكنية بقسط شهري يبدأ من 5,000 جنيه مصري، وهو رقم جذب انتباه شريحة واسعة من المواطنين، خاصة الشباب والأسر متوسطة الدخل التي تحلم بامتلاك مسكن خاص في ظل ارتفاع الأسعار.

خلفية الحملة التسويقية
انطلقت الحملة عبر مختلف المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، معتمدة على رسالة بسيطة ومباشرة تركز على فكرة "القسط الميسر". استهدفت الحملة بشكل أساسي معالجة العائق الأكبر أمام الكثيرين وهو القدرة على تحمل الدفعات الشهرية المرتفعة المرتبطة بتمويل العقارات. وقد نجحت في خلق زخم كبير وإثارة فضول آلاف المهتمين الذين رأوا في العرض فرصة سانحة لتحقيق حلم تملك العقار.
تفاصيل العرض ومصدر الجدل
مع تزايد الاهتمام بالعرض، بدأت تفاصيل إضافية في الظهور كشفت عن الصورة الكاملة للصفقة، وهو ما أدى إلى انقسام الآراء. تبين أن القسط الشهري المنخفض البالغ 5 آلاف جنيه ليس سوى جزء صغير من هيكل سداد معقد وممتد زمنياً. وصف النقاد هذا الأسلوب بأنه "الوهم الجميل"، حيث أن التركيز على القسط المنخفض يخفي التكلفة الإجمالية المرتفعة والالتزامات المالية الأخرى. النقاط الأساسية التي شكلت محور الجدل هي:
- السعر الإجمالي المرتفع: على الرغم من انخفاض القسط، فإن السعر الإجمالي للوحدة السكنية يصل إلى عدة ملايين من الجنيهات، وهو ما يضعها خارج نطاق القدرة الشرائية للشريحة التي استهدفتها الحملة ظاهرياً.
- فترة السداد الطويلة جداً: يمتد نظام التقسيط على فترات زمنية طويلة قد تصل إلى 20 عاماً أو أكثر، مما يعني التزاماً مالياً طويل الأمد للمشتري.
- الدفعة المقدمة ودفعات أخرى: لا يغطي القسط الشهري كامل الالتزامات، حيث يتوجب على المشتري سداد دفعة مقدمة كبيرة، بالإضافة إلى دفعات أخرى عند الاستلام (دفعة استلام) ودفعات سنوية في بعض الأحيان.
- عدم ثبات القسط: في بعض أنظمة السداد، قد لا يكون القسط الشهري ثابتاً طوال المدة، بل قد يزداد تدريجياً بعد السنوات الأولى، وهو أمر لا يتم تسليط الضوء عليه في الإعلانات الأولية.
ردود الفعل والتحليل الاقتصادي
أثارت الحملة نقاشاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض. فبينما رأى البعض أنها مبادرة إيجابية تهدف إلى تسهيل التملك، انتقدها آخرون بشدة معتبرين أنها تعتمد على التسويق المضلل وتستغل حاجة الناس للسكن. من جانبهم، أوضح خبراء في القطاع العقاري أن هذا النوع من خطط السداد ليس جديداً، وهو أسلوب تسويقي شائع تستخدمه شركات التطوير العقاري لجذب أكبر عدد من العملاء عبر تخفيض الحاجز المالي الأولي. وأكد الخبراء على ضرورة توعية المشترين بأهمية قراءة العقود بعناية، وفهم جميع بنودها المالية، وحساب التكلفة الإجمالية للعقار قبل اتخاذ قرار الشراء، بدلاً من التركيز فقط على رقم القسط الشهري المعلن.
الأهمية والسياق العام
تعكس هذه القضية التحديات الكبيرة التي يواجهها سوق العقارات في مصر، والفجوة بين أسعار الوحدات السكنية والقدرة الشرائية للمواطنين. كما تسلط الضوء على تطور الأساليب التسويقية في هذا القطاع، والحاجة الماسة لزيادة الوعي المالي لدى المستهلكين لحمايتهم من اتخاذ قرارات مالية قد لا تكون في مصلحتهم على المدى الطويل. تظل القضية بمثابة تذكير بأن العروض الجذابة تتطلب دائماً نظرة فاحصة وتدقيقاً في التفاصيل الدقيقة الكامنة وراءها.





