عوامل متعددة تدفع أسعار النفط نحو الارتفاع في الأسواق العالمية
شهدت أسعار النفط العالمية ارتفاعاً ملحوظاً خلال التعاملات الأخيرة، حيث وصلت إلى أعلى مستوياتها في عدة أشهر، وذلك في ظل تضافر مجموعة من العوامل الأساسية التي تؤثر على جانبي العرض والطلب في السوق. ويراقب المستثمرون والمحللون عن كثب هذه التطورات التي تشير إلى احتمالية استمرار المسار التصاعدي للأسعار في المدى القريب، مدفوعة بالتوترات الجيوسياسية المستمرة، وقرارات المنتجين الرئيسيين، ومؤشرات على تحسن الطلب.

التوترات الجيوسياسية تذكي المخاوف بشأن الإمدادات
تلعب التطورات الجيوسياسية دوراً حاسماً في دعم الأسعار حالياً. ففي أوروبا الشرقية، أدت الهجمات الأوكرانية المتكررة بالطائرات المسيرة على مصافي تكرير النفط الروسية إلى تعطيل جزء من قدرة روسيا على معالجة وتصدير المنتجات البترولية، مما يثير قلقاً بشأن نقص محتمل في إمدادات الديزل والبنزين في الأسواق العالمية. وقد أثرت هذه الهجمات بشكل مباشر على الإنتاج الروسي وأضافت علاوة مخاطر على الأسعار.
وفي الوقت نفسه، لا تزال منطقة الشرق الأوسط مصدراً رئيسياً للقلق. فالهجمات التي تشنها جماعة الحوثي في اليمن على حركة الشحن التجاري في البحر الأحمر أدت إلى تغيير مسار العديد من ناقلات النفط، مما زاد من تكاليف الشحن وأطال أمد الرحلات. كما أن استمرار الصراع في غزة يغذي المخاوف من اتساع رقعة التوتر في المنطقة، وهو ما قد يهدد مرور الإمدادات عبر مضيق هرمز الحيوي، الذي يمر عبره جزء كبير من تجارة النفط العالمية.
"أوبك بلس" تواصل سياسة خفض الإنتاج
على جانب العرض، جاء قرار تحالف "أوبك بلس"، الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاءها بقيادة روسيا، ليعزز من اتجاه الأسعار الصعودي. فقد اتفق أعضاء التحالف في مطلع شهر مارس الماضي على تمديد تخفيضات الإنتاج الطوعية البالغة حوالي 2.2 مليون برميل يومياً حتى نهاية الربع الثاني من العام الجاري. وتهدف هذه الخطوة إلى الحفاظ على استقرار السوق ومنع تكدس الفوائض في المعروض، مما يوفر دعماً قوياً للأسعار ويمنعها من الانخفاض.
ويشير هذا القرار إلى التزام التحالف بإدارة الإمدادات بشكل حذر لضمان بقاء الأسعار عند مستويات يعتبرها المنتجون مناسبة، خاصة في ظل حالة عدم اليقين التي تكتنف توقعات نمو الاقتصاد العالمي.
مؤشرات إيجابية من جانب الطلب العالمي
لم يقتصر الدعم على جانب العرض فقط، بل شهد جانب الطلب أيضاً تطورات إيجابية ساهمت في تعزيز الأسعار. فقد أظهرت بيانات اقتصادية حديثة من الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، نمواً في نشاط المصانع للمرة الأولى منذ ستة أشهر، مما بعث برسالة متفائلة بشأن احتمالية تعافي الطلب على الطاقة في هذا الاقتصاد الضخم.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت بيانات المخزونات في الولايات المتحدة انخفاضاً، وهو ما يعكس طلباً محلياً قوياً قبل بدء موسم الصيف الذي يشهد عادةً ذروة استهلاك وقود السيارات. هذه المؤشرات مجتمعة ترسم صورة أكثر إيجابية لمستقبل الطلب على النفط، وهو ما يتناقض مع المخاوف التي سادت في أواخر العام الماضي بشأن تباطؤ اقتصادي عالمي قد يضر بالاستهلاك.
وفي ضوء هذه المعطيات، يتجه المشهد العام في سوق النفط نحو مزيد من الشح، حيث يواجه السوق نقصاً في الإمدادات بفعل العوامل الجيوسياسية وقرارات المنتجين، بالتزامن مع بوادر انتعاش في الطلب من الاقتصادات الكبرى. كل هذه العوامل مجتمعة هي التي تدفع أسعار النفط نحو الارتفاع، مع ترقب الأسواق لأي تطورات جديدة قد تؤثر على هذا التوازن الدقيق.




