فرنسا ترفع حالة التأهب لإنفلونزا الطيور إلى المستوى "المرتفع" بعد اكتشاف بؤر جديدة
أعلنت وزارة الزراعة الفرنسية في أوائل شهر ديسمبر 2023 عن رفع مستوى التحذير من خطر إنفلونزا الطيور عبر كامل الأراضي الوطنية إلى "مرتفع". يأتي هذا القرار الحاسم استجابةً للانتشار المتسارع للفيروس في أوروبا وظهور بؤر إصابة جديدة داخل فرنسا، مما يضع البلاد في حالة تأهب قصوى لحماية قطاع الدواجن الحيوي وتجنب سيناريوهات التفشي الكارثية التي شهدتها في الأعوام السابقة.

خلفية القرار وتصاعد المخاطر
يأتي تشديد الإجراءات الوقائية مع دخول أوروبا فترة الخطر الموسمي لإنفلونزا الطيور، والتي تمتد عادةً من فصل الخريف إلى الربيع. تتزامن هذه الفترة مع هجرة الطيور البرية التي تُعتبر الخازن الرئيسي للفيروس وناقله الأساسي إلى المزارع التجارية. وقد استند قرار الوزارة إلى رصد عدة حالات إصابة بفيروس (H5N1) شديد العدوى، كان أبرزها في مزرعة للديوك الرومية في منطقة موربيهان بإقليم بريتاني، بالإضافة إلى اكتشاف حالات أخرى لدى طيور النورس في مناطق متفرقة، مما يؤكد أن الفيروس ينتشر بنشاط بين الطيور البرية على الأراضي الفرنسية.
يمثل هذا الإجراء تحولاً وقائياً مهماً، حيث كانت فرنسا قد خفّضت مستوى الخطر في وقت سابق من العام بعد انحسار موجة تفشٍ مدمرة. وتخشى السلطات تكرار أزمة موسم 2021-2022، الذي وُصف بالأسوأ في تاريخ البلاد، حيث أدى إلى إعدام أكثر من 22 مليون طائر وتكبيد القطاع خسائر اقتصادية فادحة.
الإجراءات الفورية المصاحبة لحالة التأهب
يفرض الانتقال إلى مستوى الخطر "المرتفع" تطبيق سلسلة من تدابير الأمن البيولوجي الصارمة على جميع مربي الدواجن، سواء كانوا من المحترفين أو الهواة. تهدف هذه الإجراءات إلى إنشاء حاجز مادي يمنع أي اتصال بين الدواجن المستأنسة والطيور البرية. وتشمل التدابير الرئيسية ما يلي:
- حجز الطيور: إلزام جميع المزارع التجارية والهواة بإبقاء الدواجن في أماكن مغلقة أو محمية بشبكات واقية.
- حظر التجمعات: منع إقامة المعارض والأسواق وأي تجمعات أخرى للطيور الحية للحد من فرص انتقال العدوى.
- تشديد الرقابة: فرض قيود على حركة نقل الدواجن وتكثيف عمليات المراقبة والفحص في المزارع والمناطق الرطبة التي تشكل محطات للطيور المهاجرة.
- شروط خاصة للصيد: فرض قيود على استخدام الطيور كطُعم في أنشطة الصيد لتقليل التفاعل مع الطيور البرية.
وشددت الوزارة على أن الالتزام بهذه القواعد يُعد ضرورياً لحماية الثروة الداجنة في البلاد، وأن أي مخالفة قد تعرض أصحابها لعقوبات.
استراتيجية التطعيم الجديدة
تتزامن حالة التأهب الجديدة مع تطبيق فرنسا لاستراتيجية غير مسبوقة تتمثل في حملة تطعيم واسعة النطاق ضد إنفلونزا الطيور، والتي بدأت في أكتوبر 2023. تستهدف الحملة في مرحلتها الأولى تطعيم جميع طيور البط في المزارع التجارية التي يزيد عددها عن 250 طائراً، بإجمالي يُقدر بنحو 64 مليون بطة. وتُعد فرنسا أول دولة في الاتحاد الأوروبي تتبنى هذا النهج الوقائي على نطاق وطني، على أمل أن يشكل اللقاح درعاً إضافياً يقلل من شدة الفيروس ويبطئ انتشاره، وبالتالي يجنب البلاد اللجوء إلى عمليات الإعدام الجماعي واسعة النطاق.
ورغم أن التطعيم لا يمنع الإصابة بشكل كامل، إلا أنه يقلل بشكل كبير من الأعراض وإفراز الفيروس، مما يحد من انتقاله. ومع ذلك، لا تزال هذه الاستراتيجية تواجه تحديات، أبرزها مخاوف بعض الشركاء التجاريين خارج الاتحاد الأوروبي من فرض قيود على استيراد الدواجن الفرنسية، خشية أن تخفي الطيور الملقحة الفيروس دون ظهور أعراض.
الأثر الاقتصادي والمخاوف المستقبلية
يمثل قطاع الدواجن ركيزة أساسية في الاقتصاد الزراعي الفرنسي، حيث تُعد فرنسا من أكبر منتجي الدواجن في أوروبا، وتشتهر عالمياً بمنتجات مثل "فوا غرا" (كبد الأوز). وقد أدت موجات التفشي السابقة إلى خسائر مباشرة وغير مباشرة تقدر بمليارات اليورو، شملت تكاليف الإعدام والتعويضات للمزارعين وتوقف الإنتاج وفقدان أسواق التصدير. لذلك، ينظر المزارعون والفاعلون في القطاع بقلق إلى التطورات الأخيرة، آملين أن تنجح الإجراءات المشددة وحملة التطعيم في احتواء الأزمة قبل تفاقمها وتجنب ضربة اقتصادية جديدة لقطاع لا يزال يتعافى من صدمات الماضي.