لبنان على شفير الانهيار: تراجع أميركي وضغوط إسرائيلية متصاعدة

يواجه لبنان في الأسابيع الأخيرة مرحلةً وصِفَت بأنها من أخطر منعطفاته التاريخية، حيث تتضافر عوامل داخلية متأزمة مع تحولات في السياسات الإقليمية والدولية. ففي ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تنهك البلاد منذ سنوات، يبدو أن الدعم الدولي الموعود يواجه تحديات جديدة، أبرزها ما يُفسَّر كتراجع في الاندفاعة الأميركية نحو إنقاذ لبنان، بالتزامن مع تصعيد الضغوط الإسرائيلية التي تستهدف الاستقرار الهش للمنطقة.

الخلفية التاريخية والأزمة الحالية

لم يأتِ الوضع اللبناني الراهن وليد اللحظة، بل هو تتويج لسلسلة طويلة من الأزمات المتراكمة. فمنذ عام 2019، دخلت البلاد في نفق انهيار اقتصادي غير مسبوق، أدى إلى تدهور قيمة العملة الوطنية بأكثر من 90%، وتآكل مدخرات المودعين، وارتفاع معدلات التضخم والفقر بشكل كارثي. يعاني القطاع المصرفي من شلل شبه تام، وتتداعى الخدمات العامة الأساسية مثل الكهرباء والمياه والرعاية الصحية، مما يدفع شرائح واسعة من السكان إلى حافة اليأس. يتفاقم هذا الوضع بسبب الشلل السياسي المستمر، والمتمثل في صعوبة تشكيل حكومات فاعلة، وغياب الإصلاحات الهيكلية التي يطالب بها المجتمع الدولي، وتفشي الفساد المستشري الذي يستنزف موارد الدولة.

إن غياب الإرادة السياسية لمعالجة الأزمة، المدفوع بالمصالح الضيقة والانقسامات الطائفية العميقة، هو العائق الأكبر أمام أي محاولة للتعافي. ورغم الدعوات المتكررة من منظمات دولية مثل صندوق النقد الدولي لتبني إصلاحات جذرية، إلا أن التقدم كان بطيئاً، إن لم يكن معدوماً، مما يضع مستقبل البلاد على المحك.

التراجع الأمريكي: أسباب وتداعيات

كانت الولايات المتحدة الأميركية من أبرز اللاعبين الدوليين الساعين لدعم لبنان، ودفعه نحو الإصلاح، وتقديم المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، تشير مصادر دبلوماسية وتحليلات سياسية إلى تحول في مقاربة واشنطن، يُفسَّر كتراجع عن الدبلوماسية النشطة المركزة على الإنقاذ الاقتصادي الشامل. يمكن إرجاع هذا التراجع إلى عدة عوامل:

الإحباط من النخبة السياسية: يزداد الإحباط الأميركي من عدم قدرة، أو بالأحرى عدم رغبة، الطبقة السياسية اللبنانية في تنفيذ الإصلاحات الضرورية. ترى واشنطن أن المساعدات لن تحقق أهدافها في ظل غياب التغيير الداخلي الحقيقي.
تغيير الأولويات الإقليمية: قد يكون تركيز الإدارة الأميركية قد تحول إلى قضايا إقليمية أخرى أكثر إلحاحاً، أو أنها فضلت اعتماد استراتيجية العقوبات الموجهة ضد أفراد وكيانات تعتبرها مسؤولة عن تعطيل الإصلاحات أو مرتبطة بحزب الله، بدلاً من الانخراط في جهود إنقاذ واسعة النطاق.
التأثير الإيراني وحزب الله: ترى الولايات المتحدة أن النفوذ الإيراني عبر حزب الله في لبنان يحد من قدرتها على تحقيق الاستقرار المنشود، ويزيد من تعقيد أي حلول شاملة. هذا التصور قد يدفع واشنطن إلى التراجع عن التدخل المباشر خشية أن يُستغل الدعم لتعزيز نفوذ الأطراف غير المرغوبة.

هذا التراجع الأميركي يترك فراغاً دبلوماسياً واقتصادياً، ويقلل من الضغط الخارجي اللازم لدفع الإصلاحات، مما قد يزيد من عزلة لبنان ويقوض ثقة المجتمع الدولي بقدرته على تجاوز محنته.

الضغوط الإسرائيلية المتصاعدة

في المقابل، يمثل الجار الجنوبي، إسرائيل، عاملاً آخر يزيد من تعقيد المشهد اللبناني. فمع تزايد حالة عدم الاستقرار في لبنان، تتصاعد الضغوط والمخاوف الإسرائيلية، لا سيما فيما يتعلق بدور حزب الله. تتمثل هذه الضغوط في عدة مظاهر:

تزايد القلق الأمني: تعتبر إسرائيل أن تدهور الأوضاع في لبنان قد يؤدي إلى تصعيد عسكري غير مقصود أو استغلال الفراغ من قبل حزب الله. وتُبدي قلقها من تزايد قدرات الحزب الصاروخية ومحاولاته لتعزيز نفوذه.
التحذيرات العلنية: يصدر مسؤولون إسرائيليون بشكل متكرر تحذيرات علنية بشأن أنشطة حزب الله، مشددين على أن إسرائيل لن تتسامح مع أي تهديد لأمنها. تُفسر هذه التحذيرات على أنها محاولات لردع الحزب من أي مغامرة في ظل ضعف الدولة اللبنانية.
التأثير على المنطقة الحدودية: تراقب إسرائيل عن كثب التطورات على حدودها الشمالية، وتتخذ إجراءات لتعزيز أمنها، مما يزيد من التوتر في المنطقة التي شهدت في الماضي صراعات مسلحة.

إن تزامن التراجع الأميركي مع تصاعد الضغوط الإسرائيلية يخلق بيئة محفوفة بالمخاطر، حيث يجد لبنان نفسه محاطاً بتحديات داخلية ضخمة وعوامل إقليمية لا تزيد إلا من تعقيد الوضع.

لبنان على شفير الانهيار: التداعيات المحتملة

إن مجموع هذه العوامل يضع لبنان على حافة الانهيار الشامل، ويهدد بتداعيات خطيرة ليس فقط على الشعب اللبناني، بل على استقرار المنطقة برمتها. من أبرز هذه التداعيات المحتملة:

أزمة إنسانية عميقة: استمرار تدهور الظروف المعيشية ونقص الخدمات الأساسية قد يؤدي إلى كارثة إنسانية واسعة النطاق، مع تزايد أعداد النازحين داخلياً أو المهاجرين إلى الخارج.
تزايد النفوذ الإقليمي: قد تستغل قوى إقليمية الفراغ الناتج عن ضعف الدولة لتعزيز نفوذها، مما يزيد من تسييس الأزمة ويصعب حلها.
صراع إقليمي محتمل: يمكن أن تؤدي التوترات المتصاعدة بين إسرائيل وحزب الله، في ظل غياب أي قوة ردع دولية فاعلة، إلى انفجار أمني قد يجر المنطقة بأكملها إلى صراع أوسع.
فقدان الثقة الدولية: قد يؤدي الفشل المتكرر في إيجاد حلول إلى فقدان المجتمع الدولي الأمل في إمكانية إنقاذ لبنان، مما يقلص فرص الحصول على المساعدات الضرورية.

خلاصة القول، يمثل لبنان نقطة ساخنة في الشرق الأوسط، حيث تتداخل أزماته الداخلية العميقة مع ديناميكيات القوى الإقليمية والدولية المعقدة. ومع تراجع الدعم الأميركي الفعال وتصاعد الضغوط الإسرائيلية، تتقلص المساحة أمام أي حلول ناجعة، مما يبقي البلاد وشعبها في مهب رياح عدم اليقين والمخاطر المتزايدة.