حزب الله يهدد بحرب أهلية.. لكنه لا يريدها

يشهد لبنان، وخصوصاً في الأشهر الأخيرة من عام 2025، حالة من الترقب والقلق البالغين في ظل تصاعد الخطاب السياسي الذي يتضمن تلميحات صريحة وغير صريحة باحتمالية الانزلاق نحو صراع داخلي. يأتي ذلك في سياق معقد يجمع بين أزمات اقتصادية طاحنة، استقطاب سياسي حاد، وتوترات إقليمية متزايدة. الملفت في هذا السياق هو التهديد الصادر عن حزب الله بإمكانية اندلاع حرب أهلية، مع تأكيده المستمر على أنه لا يرغب في هذا السيناريو على الإطلاق. هذا التناقض الظاهري يثير تساؤلات عميقة حول دوافع الحزب، الرسائل التي يسعى لإيصالها، والمخاطر الحقيقية التي تتهدد السلم الأهلي في البلاد.

خلفية تاريخية وسياسية: حزب الله وموقعه في لبنان

تأسس حزب الله في أوائل الثمانينيات كحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وتطور ليصبح قوة عسكرية وسياسية واجتماعية مهيمنة في البلاد. يمتلك الحزب جناحاً عسكرياً قوياً يفوق تسليحاً وتدريباً الجيش اللبناني، وجناحاً سياسياً له تمثيل وازن في البرلمان والحكومة. هذه الازدواجية تمنحه نفوذاً واسعاً، لكنها أيضاً تجعله محور جدل دائم بشأن دوره كـ "دولة داخل دولة". يعتمد الحزب على قاعدة شعبية واسعة في البيئة الشيعية، ويتلقى دعماً كبيراً من إيران، مما يجعله لاعباً إقليمياً يتأثر ويتأثر بالصراعات الدائرة في المنطقة، لا سيما في سوريا والعراق واليمن، وكذلك التوتر المستمر مع إسرائيل.

إن لبنان، بطبيعته الطائفية المعقدة، يحمل تاريخاً مؤلماً من الحروب الأهلية، أبرزها حرب 1975-1990 التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى ودماراً واسعاً. هذا التاريخ يجعل أي حديث عن "حرب أهلية" أمراً بالغ الحساسية ويثير مخاوف عميقة لدى جميع الأطراف. الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها لبنان منذ عام 2019، والتي أدت إلى انهيار مالي وتدهور مستويات المعيشة، تزيد من هشاشة الوضع وتجعل البيئة خصبة للاضطرابات الاجتماعية والسياسية.

تطورات حديثة وطبيعة التهديد

في الفترة الأخيرة، وتحديداً مع اقتراب أواخر عام 2025، تصاعدت حدة التوتر في لبنان جراء عدة عوامل. تشير التقارير إلى أن الخطاب الصادر عن قيادات حزب الله، بمن فيهم الأمين العام، قد بدأ يشتمل على تحذيرات من أن مسار الأحداث قد يقود البلاد إلى صراع داخلي، إذا ما استمرت بعض الأطراف في سياساتها أو محاولاتها لتهميش الحزب أو نزع سلاحه. هذه التحذيرات تأتي غالباً في سياق الرد على ضغوط داخلية وخارجية، أو في مواجهة محاولات للحد من نفوذه السياسي والعسكري. على سبيل المثال، يمكن ربط هذه التصريحات بأي حراك شعبي أو سياسي يطالب بتغييرات جذرية في هيكل السلطة، أو مع تصعيد التوترات على الحدود الجنوبية مع إسرائيل.

المفارقة في هذه التصريحات تكمن في الإصرار على أن الحزب لا يريد هذه الحرب. هذا التأكيد يمكن أن يُفهم على عدة مستويات:

رسالة ردع: قد يكون الهدف هو ردع الخصوم المحليين والإقليميين عن اتخاذ خطوات يعتبرها الحزب تهديداً وجودياً له.
إلقاء المسؤولية: محاولة لإلقاء المسؤولية على أطراف أخرى في حال اندلاع أي صراع، وتقديم الحزب كضحية أو كطرف يدافع عن نفسه.
تهدئة المخاوف الداخلية: طمأنة جزء من القاعدة الشعبية اللبنانية، بما في ذلك المتعاطفين مع الحزب، بأن الهدف ليس إشعال حرب داخلية، بل تجنبها عبر إظهار القوة.
تحذير دولي: إرسال إشارة إلى المجتمع الدولي بأن التدخلات الخارجية أو الضغوط قد تؤدي إلى نتائج عكسية وغير مرغوبة.

يمكن ربط هذه التحذيرات، على سبيل المثال، بالتوترات المحيطة بأي فعاليات أو ذكريات حساسة مثل تلك التي قد تصادف السابع والعشرين من سبتمبر 2025، حيث تزداد المخاوف من استغلال التجمعات لتصعيد الخطاب أو إثارة الشحن الطائفي في ظل البيئة اللبنانية الهشة.

لماذا يهم هذا الخبر؟ وتداعياته المحتملة

تكتسب هذه التهديدات أهمية بالغة لأنها تلامس جوهر الاستقرار اللبناني ومستقبله. إن أي انزلاق نحو حرب أهلية سيعني كارثة إنسانية واقتصادية واجتماعية لا يمكن للبنان المنهك تحملها. هذا الخبر يهم لعدة أسباب:

استقرار لبنان: يهدد السلم الأهلي الهش ويهدد بانهيار الدولة اللبنانية بشكل كامل.
تأثير إقليمي: قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، نظراً لتداخل المصالح الإقليمية والدولية في الساحة اللبنانية.
النزوح والهجرة: يمكن أن يتسبب في موجات نزوح داخلي وخارجي هائلة، تزيد من الأعباء على الدول المجاورة وأوروبا.
توقف المساعدات: قد تتوقف المساعدات الدولية الحيوية للبنان، مما يفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية.

ردود الفعل والتفسيرات

تتباين ردود الفعل على هذه التهديدات داخلياً وخارجياً. على الصعيد الداخلي، يعبر العديد من السياسيين والفصائل اللبنانية عن قلقهم الشديد من هذه التصريحات، مطالبين بتهدئة الخطاب والتركيز على الحلول السياسية للأزمات. تتهم بعض الأطراف حزب الله باستغلال ورقة الحرب الأهلية للحفاظ على نفوذه ومكاسبه. أما إقليمياً ودولياً، فغالباً ما تُقابل هذه التحذيرات بدعوات إلى ضبط النفس وضرورة الحفاظ على استقرار لبنان، مع تخوف من أن تؤدي هذه التهديدات إلى تفاقم الأوضاع الأمنية على الحدود مع إسرائيل، أو أن تتداخل مع الصراع السوري الدائر.

يرى بعض المحللين أن هذا الخطاب ليس بالضرورة نية مباشرة لإشعال حرب، بل هو استخدام للتهديد كأداة سياسية فعالة في بيئة مليئة بالضغوط. قد يكون الهدف هو دفع الأطراف الأخرى إلى التراجع عن مواقف معينة، أو ربما هو تعبير عن إحساس الحزب بأنه محاط بتهديدات تتطلب منه إظهار أقصى درجات الحزم، حتى لو كان ذلك عبر الإشارة إلى أسوأ السيناريوهات. هذه الاستراتيجية تعتمد على ذاكرة اللبنانيين المؤلمة من الحرب الأهلية، مما يجعل التهديد بها فعالاً جداً في فرض أجندات معينة أو ردع الآخرين.

خاتمة

يبقى لبنان على حافة الهاوية، حيث يمزج خطاب حزب الله بين التهديد العلني بالحرب الأهلية والنفي المتكرر لرغبته فيها، معادلة خطيرة تعكس عمق الأزمات وتداخلاتها. إن فهم هذه الديناميكية يتطلب إدراكاً للتعقيدات السياسية والطائفية والاقتصادية التي تتشابك في النسيج اللبناني. وفي ظل هذه التهديدات، يبقى مصير لبنان رهناً بقدرة الأطراف الفاعلة على تغليب لغة الحوار والمصلحة الوطنية على خطابات التصعيد والصدام، وذلك لتجنب ما يبدو أنه كابوس لا يريده أحد، ولكنه يلوح في الأفق.