تصريحات السيسي بشأن أنفاق قناة السويس تفتح باب النقاش حول تنمية سيناء

في تصريحات أدلى بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أواخر شهر مايو 2021، خلال زيارته لهيئة قناة السويس في الإسماعيلية، كشف عن إنجاز ستة أنفاق عملاقة تمر أسفل القناة لربط شبه جزيرة سيناء بالوادي والدلتا. جاء هذا الإعلان في أعقاب النجاح في تعويم سفينة الحاويات "إيفر غيفن" التي كانت قد جنحت في الممر الملاحي، وهو ما سلط الضوء عالمياً على أهمية القناة. وقد أثارت تصريحات الرئيس نقاشاً واسعاً في الأوساط المصرية وعلى منصات التواصل الاجتماعي حول أبعاد هذا المشروع الاستراتيجي وتوقيت الكشف عنه وأهدافه المستقبلية.

خلفية المشروع وأهميته الاستراتيجية

يمثل ربط سيناء جغرافياً واقتصادياً ببقية الأراضي المصرية هدفاً استراتيجياً قديماً للدولة المصرية. فطبيعة سيناء الجغرافية كشبه جزيرة معزولة نسبياً جعلت من تنميتها وتأمينها تحدياً مستمراً. تهدف شبكة الأنفاق الجديدة إلى تحقيق نقلة نوعية في هذا السياق، عبر تسهيل حركة الأفراد والبضائع والمعدات من وإلى سيناء بشكل غير مسبوق، مما ينهي حالة العزلة التي كانت تعاني منها المنطقة والتي كانت تفرض الاعتماد بشكل شبه كلي على عدد محدود من الكباري العائمة ومعديات النقل.

تتجاوز أهمية المشروع الجانب الاقتصادي لتشمل بعداً أمنياً حيوياً. فمن خلال تعزيز الربط البري، تسهل الدولة حركة قوات الأمن والجيش وتدعم جهودها في مكافحة التنظيمات المتطرفة في شمال سيناء، كما تساهم في قطع طرق الإمداد المحتملة لتلك الجماعات. وعلى الصعيد التنموي، تُعتبر هذه الأنفاق حجر الزاوية في خطة الدولة الشاملة لتنمية سيناء، والتي تشمل إقامة مناطق صناعية وزراعية ومجتمعات عمرانية جديدة لجذب الاستثمارات والسكان.

تفاصيل الأنفاق وتصريحات الرئيس

أوضح الرئيس السيسي أن الدولة أنجزت ستة أنفاق رئيسية، وهو رقم فاجأ الكثيرين ممن لم يكونوا على دراية بحجم المشروع كاملاً. وتتوزع هذه الأنفاق على النحو التالي:

مجموعة أنفاق شمال الإسماعيلية: والمعروفة باسم أنفاق "تحيا مصر"، وتتكون من نفقين للسيارات يربطان بين شرق وغرب القناة.
مجموعة أنفاق جنوب بورسعيد: والمعروفة باسم أنفاق "3 يوليو"، وهي أيضاً نفقان للسيارات تم إنشاؤها لتسهيل الحركة في شمال القناة.
نفق الشهيد أحمد حمدي: وهو النفق الأقدم الذي يقع جنوب القناة بالقرب من مدينة السويس.
نفق الشهيد أحمد حمدي 2: وهو نفق جديد تم حفره بموازاة النفق القديم لمضاعفة القدرة الاستيعابية للحركة المرورية في هذا القطاع الحيوي.

تم تنفيذ هذه المشاريع الضخمة بواسطة شركات مصرية وبإشراف من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وباستخدام أحدث ماكينات حفر الأنفاق في العالم، مما شكل رسالة حول قدرة الدولة على تنفيذ مشاريع البنية التحتية العملاقة.

أسباب النقاش العام وردود الفعل

أثار إعلان الرئيس السيسي موجة من ردود الفعل المتباينة. فمن ناحية، احتفى قطاع واسع من المصريين بهذا الإنجاز الهندسي، معتبرينه دليلاً على قوة الدولة وقدرتها على تحقيق أهداف طموحة، وخطوة ضرورية لتأمين وتنمية جزء غالٍ من أرض الوطن. ورأى هؤلاء أن المشروع يمثل تجسيداً عملياً لرؤية القيادة السياسية نحو بناء "جمهورية جديدة".

من ناحية أخرى، فتح الإعلان باب التساؤلات والنقاشات التحليلية. تساءل البعض عن التكلفة الإجمالية لهذه المشاريع في ظل الظروف الاقتصادية، بينما ركز محللون على التوقيت، معتبرين أن الإعلان بعد أزمة "إيفر غيفن" كان يهدف إلى إبراز قوة البنية التحتية المصرية المحيطة بالقناة. كما تناول المحللون الأبعاد الاستراتيجية، حيث اعتبروا أن هذه الأنفاق تغير بشكل جذري الواقع الجيوسياسي لسيناء، وتجعلها امتداداً طبيعياً وعمقاً استراتيجياً للدولة المصرية بشكل لا رجعة فيه.

الأثر والتداعيات المستقبلية

تُعد شبكة الأنفاق تحت قناة السويس أكثر من مجرد بنية تحتية، بل هي أداة رئيسية لتحقيق تغيير ديموغرافي واقتصادي وأمني في سيناء. من المتوقع أن تساهم هذه الأنفاق في خفض زمن وتكلفة انتقال البضائع، وتشجيع الاستثمار في المنطقة، وربط المشاريع التنموية في سيناء بالأسواق في الدلتا والقاهرة. وعلى المدى الطويل، تهدف الدولة إلى أن تكون هذه المشاريع أساساً لتحقيق تنمية مستدامة ترفع مستوى معيشة أهالي سيناء وتدمجهم بشكل كامل في النسيج الوطني المصري.