محمد توفيق: وسام عبد الناصر الذي سُحب منه بسبب المرض.. في ذكرى ميلاد الفنان الكبير
في مثل هذا اليوم، تحل ذكرى ميلاد الفنان المصري الكبير محمد توفيق، الذي وُلد في الرابع والعشرين من أكتوبر عام 1914. يمثل توفيق قامة فنية أثرت السينما والمسرح والتلفزيون المصري لأكثر من نصف قرن، تاركًا خلفه إرثًا غنيًا من الأدوار المتنوعة التي جمعت بين العمق والكوميديا. ورغم مسيرته الحافلة بالنجاح والإبداع، تظل إحدى أبرز القصص التي ارتبطت بحياته هي حكاية الوسام الرئاسي الذي منحه إياه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ثم سُحب منه في حادثة مؤسفة أثارت جدلاً واسعًا وكشفت عن تحديات اجتماعية وصحية واجهت الفنان.

من هو محمد توفيق؟
يُعد محمد توفيق أحد أيقونات التمثيل في مصر، بدأ مشواره الفني في ثلاثينيات القرن الماضي بعد دراسته للتمثيل في المعهد العالي لفن التمثيل العربي. تنوعت أدواره بين الرجل الطيب، الشرير، الأب الحنون، والموظف البسيط، ما جعله فنانًا شاملًا بامتياز. شارك في أعمال خالدة مثل فيلم «في بيتنا رجل»، ومسلسلات «سوق العصر» و«أبو حنيفة النعمان»، بالإضافة إلى العديد من المسرحيات. كان يتمتع بحضور قوي وصوت مميز وبراعة في التجسيد، مما أكسبه احترام الجمهور والنقاد على حد سواء.
قصة الوسام وتكريمه من عبد الناصر
في ذروة تألقه الفني، حظي الفنان محمد توفيق بتكريم رفيع المستوى من الدولة المصرية، حيث منحه الرئيس جمال عبد الناصر وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى. كان هذا التكريم في ستينيات القرن الماضي بمثابة اعتراف رسمي بمساهماته الجليلة في إثراء الحياة الثقافية والفنية في مصر، وتأكيد على مكانته كأحد الرواد الذين شكلوا وجدان الأمة من خلال فنهم. كانت الأوسمة الرئاسية في تلك الفترة تعبر عن تقدير الدولة للمبدعين والمفكرين الذين يرفعون راية مصر في مختلف المجالات، وكان منحها لـ توفيق دليلًا على مدى تأثيره وعمق فنه.
المرض وخطأ الانسحاب
المفارقة المؤلمة في قصة الوسام أن هذا التكريم البارز لم يدم طويلاً. فبعد فترة من منحه، تم سحب الوسام من محمد توفيق، ليس بسبب تقصير فني أو سياسي، بل بسبب شائعات مغلوطة حول إصابته بمرض عضال. تداولت أنباء، بشكل خاطئ، عن إصابته بمرض الجذام (البرص)، وهو مرض كان يحمل وصمة عار اجتماعية كبيرة في ذلك الوقت، ويُعامل المصابون به بقدر كبير من الخوف والعزلة. في الحقيقة، كان محمد توفيق يعاني من مرض الصدفية، وهو مرض جلدي مزمن غير معدٍ تمامًا، لكن سوء الفهم والجهل العام بطبيعة الأمراض الجلدية أدى إلى انتشار الشائعة المؤسفة.
أدت هذه الشائعة إلى رد فعل سريع ومتهور من بعض المسؤولين، فصدر قرار بسحب الوسام منه. كان هذا القرار بمثابة صدمة كبيرة للفنان وللوسط الفني، حيث شعر محمد توفيق بالظلم والإهانة، ليس فقط لفقدان الوسام، بل بسبب التشهير به والتعامل معه كشخص منبوذ بسبب مرض غير حقيقي. تكشف هذه الحادثة عن مدى تأثير المعلومات المضللة والوصمة الاجتماعية على حياة الأفراد، حتى وإن كانوا شخصيات عامة ومحترمة.
تداعيات الحادثة وإرث الفنان
تركت حادثة سحب الوسام أثرًا عميقًا في نفس محمد توفيق، إلا أنها لم تكسر عزيمته أو توقفه عن العطاء الفني. استمر في مسيرته وقدم المزيد من الأعمال الفنية المميزة، محاولًا تجاوز هذه المحنة. ومع مرور الوقت، اتضحت حقيقة مرضه، وتبين أن قرار سحب الوسام كان مبنيًا على معلومات خاطئة وتسرع في الحكم. ورغم أن الوسام لم يُعد إليه رسميًا في حياته، إلا أن مكانته الفنية والإنسانية ظلت راسخة في قلوب الجمهور والزملاء. تُعد هذه القصة تذكيرًا قويًا بأهمية التثقيف الصحي ومحاربة الشائعات والوصمة المرتبطة بالأمراض.
اليوم، ونحن نحتفل بذكرى ميلاد محمد توفيق، نتذكره ليس فقط كفنان موهوب ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن المصري، بل أيضًا كرمز للصمود في وجه الظلم وسوء الفهم. قصته مع وسام عبد الناصر والمرض تُلقي الضوء على جوانب إنسانية عميقة في حياة الفنانين، وتؤكد على أن قيم الفن والإنسانية تتجاوز أي تكريم أو إساءة.





