محمود ياسين: إرث فني خالد ورمز للمهابة في السينما المصرية
في 14 أكتوبر 2020، ودعت مصر والساحة الفنية العربية أحد أبرز أعمدتها، الفنان القدير محمود ياسين، الذي رحل عن عالمنا تاركاً خلفه إرثاً فنياً ضخماً ومسيرة حافلة جعلته رمزاً للوقار والأداء المتقن. لم يكن محمود ياسين مجرد ممثل، بل كان مؤسسة فنية متكاملة، وصوتاً مصرياً أصيلاً عبّر عن ضمير أمة بأكملها عبر عشرات الأدوار التي حُفرت في ذاكرة السينما والتلفزيون والمسرح.

خلفية ومسيرة فنية حافلة
وُلد محمود فؤاد محمود ياسين في مدينة بورسعيد عام 1941، وعلى الرغم من تخرجه في كلية الحقوق، إلا أن شغفه بالتمثيل دفعه للالتحاق بالمسرح القومي، حيث شق طريقه بثبات ليصبح من نجوم الصف الأول في فترة السبعينيات. تميزت مسيرته بتنوع فريد، حيث انتقل بسلاسة بين الأدوار الرومانسية، والاجتماعية المعقدة، والأدوار الوطنية التي جسدت بطولات الجيش المصري، ليصبح فتى الشاشة الأول في تلك الحقبة الذهبية.
قدم ياسين خلال مسيرته أكثر من 150 فيلماً سينمائياً، بالإضافة إلى عشرات المسلسلات التلفزيونية والمسرحيات. ومن أبرز أعماله التي لا تزال عالقة في أذهان الجماهير:
- الرصاصة لا تزال في جيبي (1974): أحد أهم الأفلام التي أرخت لنصر أكتوبر.
 - نحن لا نزرع الشوك (1970): دراما اجتماعية عميقة أمام الفنانة شادية.
 - أفواه وأرانب (1977): فيلم ناقش قضية اجتماعية هامة مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة.
 - اذكريني (1978): قصة رومانسية كلاسيكية شكل فيها ثنائياً ناجحاً مع الفنانة نجلاء فتحي.
 - أغنية على الممر (1972): عمل سينمائي خالد جسد صمود الجندي المصري.
 
صوت مصر الخالد
إلى جانب أدائه التمثيلي القوي، كان صوت محمود ياسين أحد أبرز سماته الفنية التي ميزته عن غيره. بصوته الرخيم وإتقانه لمخارج الحروف وقواعد اللغة العربية الفصحى، أصبح الخيار الأول للأعمال التاريخية والدينية والتعليق الصوتي على الأفلام الوثائقية. لم يكن صوته مجرد أداة، بل كان هوية فنية مستقلة منحته لقب "صوت مصر"، حيث كان قادراً على إضفاء المهابة والجلال على أي شخصية أو نص يقرؤه، مما جعله صوتاً مألوفاً ومحبوباً للأجيال.
الأدوار الوطنية والإرث الثقافي
ارتبط اسم محمود ياسين ارتباطاً وثيقاً بالسينما الوطنية، خاصة تلك التي تناولت حرب أكتوبر 1973. فقد أصبح وجهاً معبراً عن الجندي المصري والمواطن الشريف الذي يدافع عن أرضه وكرامته. من خلال أدواره، لم يكن يمثل فقط، بل كان يوثق لمرحلة حاسمة في تاريخ مصر الحديث، مما رسخ صورته في الوجدان الشعبي كفنان وطني يحمل هموم بلاده. هذا الإرث جعله أكثر من مجرد نجم سينمائي، بل رمزاً ثقافياً يمثل الأصالة والالتزام الفني والقيمي.
سنواته الأخيرة والرحيل
في سنواته الأخيرة، ابتعد الفنان محمود ياسين عن الأضواء بسبب معاناته مع المرض، حيث أحاطته أسرته بالرعاية والمحبة بعيداً عن وسائل الإعلام. وقد شكل خبر وفاته صدمة وحزناً عميقاً في الوسط الفني والجماهيري في جميع أنحاء الوطن العربي. عكست ردود الفعل الواسعة حجم مكانته كفنان وإنسان، حيث نعاه زملاؤه ومحبوه بكلمات مؤثرة أكدت على أنه سيظل علامة فارقة في تاريخ الفن المصري والعربي، وأن أعماله وصوته سيستمران في إلهام الأجيال القادمة.




