محمود ياسين: خمس سنوات على رحيل عملاق الفن، وبصمته خالدة في وجدان المصريين
تحل اليوم، السبت السادس من أكتوبر 2025، الذكرى الخامسة لرحيل الفنان المصري القدير محمود ياسين، الذي وافته المنية في عام 2020. ورغم مرور هذه السنوات، إلا أن بصمته الفنية العميقة وإرثه الثقافي لا يزالان حاضرين بقوة في ذاكرة الفن المصري والعربي، ليؤكدا مكانته كواحد من أبرز رموز السينما والدراما على الإطلاق. لم يكن محمود ياسين مجرد ممثل، بل كان أيقونة وطنية وفنية شكلت وعي أجيال بأدائه الراقي وصوته المجلجل وحضوره الكاريزمي الطاغي.

مسيرة حافلة بالإبداع: من بورسعيد إلى قمة النجومية
وُلد محمود ياسين في مدينة بورسعيد الساحلية عام 1941، وتخرج في كلية الحقوق بجامعة عين شمس عام 1964. ورغم دراسته القانونية، كان شغفه الأكبر ينصب على التمثيل منذ صغره. بدأ مسيرته الفنية على خشبة المسرح القومي، حيث صقل موهبته وتأكد من قدراته التمثيلية الفريدة. سرعان ما لفت الأنظار، ليبدأ فصلاً جديدًا في تاريخ الفن المصري بانتقاله إلى عالم السينما والتلفزيون في أواخر الستينيات.
شهدت فترة السبعينيات صعوده السريع ليصبح نجمًا جماهيريًا، حيث قدم أدوارًا متنوعة رسخت مكانته كفنان شامل. لم يقتصر أداؤه على نمط واحد، بل تنقل ببراعة بين الشاب الرومانسي، والبطل الشعبي، والرجل الغامض، والشخصية الوطنية، مقدمًا عمقًا وتنوعًا قل نظيرهما في ذلك الوقت. من أبرز أعماله السينمائية التي ما زالت محفورة في الذاكرة:
- فيلم الخيط الرفيع مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة.
 - فيلم أفواه وأرانب الذي جمع بين الكوميديا والدراما الاجتماعية.
 - فيلم نحن لا نزرع الشوك المقتبس عن رواية يوسف السباعي.
 - فيلم الرصاصة لا تزال في جيبي الذي يُعد أحد أهم أفلام حرب أكتوبر.
 - فيلم أنف وثلاث عيون الذي أبرز قدرته على تجسيد الشخصيات المركبة.
 
هذا التنوع الكبير في أدواره، إلى جانب حضوره القوي وصوته المميز الذي يُعد من العلامات الفارقة له، جعله اسمًا لا يُنسى في تاريخ الفن العربي.
«فنان أكتوبر»: تجسيد الروح الوطنية على الشاشة
نال محمود ياسين لقب «فنان أكتوبر» بجدارة، وذلك لدوره البارز في تجسيد بطولات الجيش المصري وتضحياته في حرب أكتوبر 1973. قدم عدة أفلام وثائقية ودرامية تناولت هذه الملحمة الوطنية، كان أبرزها فيلم الرصاصة لا تزال في جيبي، وحائط البطولات، والصعود إلى الهاوية، والوفاء العظيم. هذه الأعمال لم تكن مجرد أفلام، بل كانت توثيقًا فنيًا وتعبيرًا صادقًا عن الروح الوطنية، مما عمق ارتباط الجمهور به وجعله رمزًا للشجاعة والفداء.
لقد استطاع محمود ياسين أن ينقل للمشاهدين ليس فقط الأحداث التاريخية، بل المشاعر الإنسانية العميقة المرتبطة بالحرب والسلام، والأمل والتضحية. هذا الجانب من مسيرته أضفى على حضوره بُعدًا وطنيًا مميزًا، وجعل منه فنانًا لا يقتصر تأثيره على الجانب الترفيهي، بل يمتد ليشمل الجانب التوعوي والوطني.
إرث فني يتجاوز حدود الزمن
خلّف محمود ياسين وراءه أكثر من 150 فيلمًا سينمائيًا، بالإضافة إلى عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية والمسرحيات التي تجاوزت 60 عملًا، ومسلسلات إذاعية لا تُحصى. هذه الكمية الهائلة من الأعمال، بجودتها العالية، جعلت منه مدرسة فنية قائمة بذاتها. لقد كان حريصًا على اختيار أدواره بعناية، ساعيًا دائمًا لتقديم رسالة وقيمة فنية حقيقية، بعيدًا عن الابتذال أو السطحية.
يتجلى إرثه في عدة جوانب:
- مصدر إلهام: يُعد محمود ياسين قدوة للعديد من الأجيال الصاعدة من الممثلين، بفضل التزامه المهني، وأخلاقه العالية، وحرصه على تقديم فن هادف يحترم عقل المشاهد.
 - تنوع القضايا: تناولت أعماله قضايا اجتماعية وسياسية وإنسانية متنوعة، مما جعلها مرآة تعكس هموم المجتمع المصري والعربي وتطلعاته.
 - حضور دائم: لا تزال أعماله تُعرض باستمرار على الفضائيات والمنصات الرقمية، مما يضمن تواصل الأجيال الجديدة مع فنه الخالد.
 
كيف نحتفي بذكرى عملاق الفن؟
في الذكرى الخامسة لرحيله، تتجدد فعاليات تخليد ذكرى محمود ياسين. تُبث أعماله على مدار اليوم في القنوات التلفزيونية، وينشر زملاؤه الفنانون والنقاد مقالات ومشاركات تستعرض مسيرته الحافلة. كما تعمل أسرته، ممثلة بزوجته الفنانة القديرة شهيرة، وابنه المخرج عمرو محمود ياسين، وابنته الفنانة رانيا محمود ياسين، على الحفاظ على إرثه الفني وتقديمه للأجيال الجديدة من خلال مشاريع فنية وتوثيقية تليق بمكانته.
يتذكر الجمهور العربي بصفة عامة، والمصري بصفة خاصة، هذا النجم بتقدير وحب، ليس فقط لأدواره الفنية، بل لشخصيته المحترمة والقريبة من القلب التي كانت تظهر في لقاءاته العامة. هذه الذاكرة الجماعية هي خير دليل على أن الفنانين الحقيقيين لا يرحلون أبدًا.
خاتمة: نجم يضيء سماء الفن إلى الأبد
يظل محمود ياسين قامة فنية أثرت الساحة الفنية المصرية والعربية على مدى عقود طويلة. وفي الذكرى الخامسة لرحيله، تتجدد الشهادات على أن إرثه الفني يظل منارة تضيء طريق الفن الجاد والملتزم، ومصدر إلهام لا ينضب للأجيال القادمة. إن عطاءه الفني الغزير، وتفانيه في عمله، وقدرته على تجسيد أبعاد الإنسان المصري والعربي بكل صدق وعمق، تضمن له مكانة خالدة في وجدان وقلوب الملايين. فنانون بهذا الحجم لا يمكن أن يغيبوا، بل تزداد أعمالهم قيمة وحضورًا مع مرور الزمن، ليظل محمود ياسين نجمًا يضيء سماء الفن إلى الأبد.





