مخاوف متزايدة من سيطرة تنظيم القاعدة على أول عاصمة في أفريقيا
تشهد منطقة الساحل الأفريقي، وتحديداً دولة مالي، تصاعداً خطيراً في نشاط الجماعات المسلحة، حيث تفيد تقارير حديثة صدرت في أواخر عام 2023 ومطلع عام 2024 بأن فرع تنظيم القاعدة المحلي يقترب بشكل غير مسبوق من تهديد العاصمة باماكو، وذلك عبر استراتيجية حصار تهدف إلى عزل المدن الكبرى وشل حركة الدولة.

التطورات الميدانية الأخيرة
تقود جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، وهي التحالف الرسمي الموالي لتنظيم القاعدة في المنطقة، حملة عسكرية واسعة تهدف إلى فرض سيطرتها على مناطق شاسعة في شمال ووسط مالي. وتعتمد الجماعة على تكتيك الحصار الخانق، حيث نجحت في عزل مدن استراتيجية مثل تمبكتو لأسابيع طويلة، مما تسبب في أزمة إنسانية حادة.
تتضمن استراتيجية الجماعة خطوات مدروسة لتقويض سلطة الدولة المركزية، وتتركز هذه الجهود حول:
- قطع طرق الإمداد الرئيسية التي تربط العاصمة بالمناطق الشمالية والوسطى، من خلال زرع العبوات الناسفة وتنفيذ كمائن ضد القوافل العسكرية والمدنية.
 - تدمير البنية التحتية مثل الجسور ووسائل الاتصال لعزل المراكز الحضرية بشكل كامل.
 - فرض حصار اقتصادي على السكان المحليين في المدن المستهدفة لمنع وصول الغذاء والدواء والوقود، بهدف إثارة السخط ضد الحكومة ودفع السكان للاستسلام.
 
السياق والخلفية
يأتي هذا التصعيد في أعقاب تغييرات جيوسياسية كبيرة في المنطقة. فقد أدى انسحاب القوات الفرنسية ضمن عملية برخان، والرحيل التدريجي لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام (مينوسما)، إلى خلق فراغ أمني كبير استغلته الجماعات المسلحة لتوسيع نفوذها.
في المقابل، عزز المجلس العسكري الحاكم في مالي تحالفه مع قوات شبه عسكرية روسية، في محاولة لصد تقدم المسلحين. إلا أن هذه الاستراتيجية لم تنجح حتى الآن في احتواء التهديد، بل يرى بعض المحللين أنها أدت إلى زيادة وتيرة الهجمات ضد الجيش المالي والأهداف المدنية.
الأهمية والآثار المحتملة
يمثل احتمال سيطرة جماعة تابعة للقاعدة على عاصمة دولة أفريقية نقطة تحول خطيرة في الحرب العالمية على الإرهاب. فمثل هذا الحدث لن يكون مجرد انتصار عسكري محلي، بل سيشكل مكسباً دعائياً هائلاً للتنظيم على مستوى العالم، وقد يلهم فروعاً أخرى في مناطق مختلفة.
إن سقوط عاصمة مثل باماكو في أيدي التنظيم يعني إقامة ملاذ آمن له، مما يمكنه من الوصول إلى موارد الدولة، وتجنيد مقاتلين جدد، والتخطيط لعمليات إرهابية على نطاق إقليمي ودولي. ويقارن الخبراء هذا السيناريو بسقوط مدينتي الموصل والرقة في يد تنظيم "داعش" سابقاً، وما ترتب على ذلك من تداعيات كارثية.
على الصعيد الإنساني، يهدد الحصار المستمر بتفاقم الأوضاع المعيشية لملايين المدنيين، بينما يضعف قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية، مما قد يؤدي إلى انهيار كامل لمؤسساتها. وتراقب القوى الإقليمية والدولية الوضع بقلق بالغ، حيث إن زعزعة استقرار مالي قد تمتد لتشمل دول الجوار وتؤجج الصراعات في منطقة الساحل بأكملها.