مدير الترميم بالمتحف المصري الكبير يكشف التحديات: عمل شاق من أجل إنجاز يليق بمصر
في تصريحات حديثة تزامنت مع الاستعدادات النهائية لافتتاح المتحف المصري الكبير، سلط مسؤولون عن عمليات الترميم الضوء على حجم الجهد الهائل والتحديات المعقدة التي واجهت فرق العمل على مدار السنوات الماضية. وأكدوا أن المهمة لم تكن يسيرة على الإطلاق، لكنها كانت ضرورية لتقديم إنجاز عالمي المستوى يعكس عظمة التاريخ المصري، وهو ما لخصه الشعور السائد بأن مصر تستحق هذا النجاح الباهر.

خلفية المشروع الحضاري
يُعد المتحف المصري الكبير، الواقع على هضبة الأهرامات بالجيزة، أحد أضخم المشاريع الثقافية في العالم. تم تصميمه ليصبح المقر الدائم لأكثر من 100 ألف قطعة أثرية، من بينها المجموعة الكاملة لكنوز الملك توت عنخ آمون التي تُعرض لأول مرة في مكان واحد. لم تقتصر المهمة على بناء صرح معماري فريد، بل امتدت لتشمل أكبر عملية نقل وترميم للآثار في التاريخ الحديث، مما استلزم إنشاء مركز ترميم على أحدث طراز عالمي ليكون قلب المتحف النابض.
تحديات الترميم غير المسبوقة
أوضح خبراء الترميم أن فرق العمل واجهت عقبات استثنائية تطلبت حلولاً مبتكرة وصبراً ودقة متناهية. لم يكن العمل مجرد إصلاحات روتينية، بل كان بمثابة مهمة إنقاذ وإعادة إحياء لقطع أثرية فريدة بعضها كان في حالة شديدة الحساسية والتعقيد.
- حجم ونوعية الآثار: تطلب التعامل مع آلاف القطع الأثرية، بدءاً من المنسوجات الرقيقة والبرديات الهشة وصولاً إلى التوابيت الضخمة والتماثيل العملاقة، إنشاء معامل متخصصة لكل نوع من المواد، مثل الأخشاب والمعادن والأحجار والمنسوجات.
- حالة القطع الحرجة: العديد من القطع، خاصة من مجموعة توت عنخ آمون، لم تخضع لعمليات ترميم علمية شاملة منذ اكتشافها قبل قرن من الزمان. كانت تعاني من تلف هيكلي وتدهور في المواد، مما جعل عملية ترميمها محفوفة بالمخاطر وتستغرق وقتاً طويلاً.
- عمليات النقل المعقدة: شكل نقل القطع الأثرية الضخمة، مثل تمثال رمسيس الثاني ومركب خوفو، تحدياً لوجستياً وهندسياً هائلاً. استلزمت هذه العمليات تخطيطاً دقيقاً لسنوات لضمان وصولها بأمان دون أي اهتزازات قد تضر بها.
- تطبيق أحدث التقنيات: اعتمد المرممون المصريون على أحدث الأساليب العلمية، مثل استخدام أجهزة الليزر في التنظيف والتعقيم بالغازات الخاملة، وإجراء فحوصات دقيقة بالأشعة السينية والميكروسكوبات الإلكترونية لفهم مكونات القطع الأثرية وتحديد أفضل طرق العلاج دون المساس بأصالتها.
إنجاز وطني بكوادر مصرية
على الرغم من الصعوبات، أكد مديرو الترميم أن المشروع كان فرصة تاريخية لبناء جيل جديد من المرممين المصريين الخبراء. فقد تم تدريب مئات الكوادر الشابة وتأهيلها للعمل وفقاً للمعايير الدولية، مما يضمن استدامة الحفاظ على كنوز مصر للأجيال القادمة. ويُعتبر مركز الترميم بالمتحف الآن واحداً من أكبر المراكز وأكثرها تقدماً في العالم، وهو إنجاز يضاف إلى قيمة المشروع الإجمالية.
الأهمية الثقافية والاقتصادية
لا يقتصر نجاح عمليات الترميم وافتتاح المتحف المرتقب على كونه إنجازاً ثقافياً فحسب، بل يمثل دفعة قوية لقطاع السياحة المصري. من المتوقع أن يجذب المتحف ملايين الزوار سنوياً، مما يعزز مكانة مصر كوجهة سياحية وثقافية رائدة. إن الجهود التي بُذلت خلف الكواليس، والتي وصفها القائمون عليها بأنها "عمل لم يكن سهلاً"، هي التي مهدت الطريق لهذا النجاح الذي لا يليق إلا بتاريخ مصر العريق.





