في خطوة فنية معمارية رائدة، كشف فنان إماراتي مؤخرًا عن مشروع «ديواني» الطموح، الذي يهدف إلى إعادة تعريف العلاقة بين فن الخط العربي العريق والعمارة المعاصرة. يمثل هذا المشروع محاولة جادة لدمج جماليات الخط العربي ليس فقط كعنصر زخرفي، بل كجزء لا يتجزأ من النسيج التصميمي والوظيفي للأبنية الحديثة، مستلهمًا في ذلك من الإرث الثقافي الغني والتاريخي لمصر.

الخلفية والرؤية الفنية لمشروع «ديواني»
نشأ مشروع «ديواني» من رؤية فنان إماراتي يسعى إلى تجاوز الحدود التقليدية للفن والعمارة، مؤمناً بقدرة الخط العربي على أن يكون أكثر من مجرد كتابة جميلة. يهدف المشروع إلى ترسيخ مكانة الخط العربي كعنصر معماري حيوي يساهم في تشكيل الهوية البصرية للمدن الحديثة. اسم «ديواني» نفسه يشير إلى أحد أرقى وأعقد أنواع الخط العربي، والذي يمتاز بجماله وجاذبيته، مما يعكس طموح المشروع في تقديم أعمال ذات قيمة فنية وجمالية عالية. يركز الفنان على استكشاف كيف يمكن لهذه الجماليات أن تتفاعل مع المواد الحديثة وتقنيات البناء المتقدمة لخلق تجارب مكانية فريدة.
الهدف الأساسي هو إبراز العمق الفلسفي والجمالي للخط العربي، وتحويله من عنصر مسطح إلى مكون ثلاثي الأبعاد يتفاعل مع الفراغ والضوء والظلال. هذا يتطلب فهمًا عميقًا لكل من قواعد الخط العربي وابتكارات التصميم المعماري، مما يدفع حدود الإبداع في كلا المجالين.
دمج الخط العربي في العمارة المعاصرة
يتخذ مشروع «ديواني» منهجيات مبتكرة لدمج الخط العربي في التصميم المعماري الحديث. لا يقتصر الدمج على نقش الآيات أو الكلمات على الجدران، بل يتجاوز ذلك ليشمل:
- التكوين الهيكلي والواجهات: تحويل الحروف والكلمات إلى أشكال هندسية أو عضوية تشكل جزءًا من الهيكل الإنشائي للمبنى أو تؤثر في تصميم واجهاته بشكل أساسي. يمكن أن تظهر الخطوط المنحنية للخط الديواني في تقوسات الأقواس، أو تصميم الشبابيك، أو حتى في الخطوط العامة للمبنى.
- الفراغات الداخلية: استخدام الخط العربي لتحديد الفراغات أو تقسيمها، أو لخلق نقاط محورية داخلية تجذب الانتباه. يمكن أن تتحول الحروف إلى عناصر ثلاثية الأبعاد مثل المنحوتات الجدارية التي تبرز من السطح، أو تكون جزءًا من تصميم الأثاث المدمج.
- الإضاءة والظل: تصميم عناصر معمارية مستوحاة من الخط تسمح بتلاعب الضوء والظل على الأسطح، مما يخلق أنماطًا متحركة تتغير على مدار اليوم وتضيف بعدًا حركيًا وتفاعليًا للمبنى.
- المواد والتكنولوجيا: توظيف مواد بناء حديثة مثل الخرسانة المسلحة، الزجاج، المعدن، أو حتى التقنيات الرقمية والطباعة ثلاثية الأبعاد، لتجسيد أشكال الخط العربي بطرق لم تكن ممكنة سابقًا، مما يفتح آفاقًا جديدة أمام التعبير الفني.
يهدف هذا الدمج إلى خلق عمارة تحكي قصة، وتتواصل مع جمهورها بلغة بصرية غنية، مستندة إلى إرث ثقافي عميق مع لمسة معاصرة.
استلهام من الإرث الثقافي المصري
تعد مصر مرجعًا لا غنى عنه في فن الخط العربي والعمارة الإسلامية، وقد استمد مشروع «ديواني» الكثير من إلهامه من هذا الإرث العريق. يتجلى هذا الاستلهام في عدة جوانب:
- التاريخ الفني الغني: تمتلك مصر تاريخًا طويلاً وحافلًا في تطوير فن الخط العربي وتطبيقاته المعمارية، بدءًا من العصور الفاطمية والأيوبية والمملوكية وصولًا إلى العصر الحديث. تضم المساجد والمدارس والقصور المصرية أمثلة رائعة للخطوط الكوفية والنسخ والثلث والديواني، التي لم تكن مجرد زخارف بل كانت جزءًا لا يتجزأ من البناء المعماري والرسالة التي يحملها.
- المدارس والأساتذة: كانت مصر ولا تزال مركزًا لتعليم الخط العربي وتخريج كبار الخطاطين. يستفيد المشروع من هذه الخبرة المتراكمة والمعرفة العميقة بقواعد الخط وأسراره، محاولًا فهم الفلسفة الكامنة وراء كل حرف وكلمة.
- العمق الروحي والفلسفي: يتجاوز الخط العربي في مصر كونه مجرد شكل فني ليصبح تعبيرًا عن العمق الروحي والثقافي. هذا البعد يلهم المشروع لدمج معانٍ أعمق في التصميم، مما يجعل المباني تتجاوز وظيفتها النفعية لتصبح أعمالًا فنية تحمل رسائل.
- التنوع والابتكار: شهدت العمارة المصرية عبر العصور تنوعًا كبيرًا في استخدام الخط العربي، من النقوش البارزة على الحجر إلى الكتابات الجصية والخشبية والمعدنية. هذا التنوع يوفر قاعدة واسعة من الأفكار والتقنيات التي يمكن تحديثها وتكييفها مع متطلبات العصر.
من خلال هذه العلاقة العميقة مع الإرث المصري، لا يسعى مشروع «ديواني» إلى التقليد، بل إلى استيعاب الجوهر الفني والفكري لهذا الإرث وإعادة تقديمه بلغة معاصرة ومبتكرة تتناسب مع سياق الإمارات العربية المتحدة الحديث.
الأهمية والتأثير المحتمل
يحمل مشروع «ديواني» أهمية كبيرة على عدة مستويات. أولاً، يساهم في الحفاظ على فن الخط العربي وإحيائه، وتقديمه لجمهور أوسع بطرق غير تقليدية، مما يضمن استمراريته وتطوره في العصر الحديث. ثانياً، يعزز المشروع الهوية الثقافية والمعمارية للمنطقة، بتقديم عمارة ذات طابع عربي أصيل لكن بروح معاصرة، مما يميزها عن الأساليب المعمارية العالمية النمطية.
ثالثاً، يفتح المشروع آفاقًا جديدة للتعاون بين الفنانين، الخطاطين، المهندسين المعماريين، والمصممين، مما يشجع على الابتكار والتجريب. رابعاً، يمكن أن يكون له تأثير تعليمي كبير، حيث يلهم الأجيال الشابة للاطلاع على فنونهم التراثية والتفكير في كيفية تطبيقها في مجالات جديدة.
في الختام، يمثل مشروع «ديواني» خطوة جريئة نحو مستقبل يتقاطع فيه الفن والتصميم مع التاريخ والثقافة، مقدمًا نموذجًا فريدًا لكيفية يمكن للتراث أن يلهم الابتكار ويشكل ملامح عمارة الغد.




