كشفت تقارير حديثة عن طموحات جريئة لـ سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI والشخصية البارزة في عالم التكنولوجيا، حيث يدعم مشروعًا ناشئًا يسعى إلى ابتكار طريقة غير جراحية لفك تشفير النشاط الدماغي البشري باستخدام تقنية الموجات فوق الصوتية. يمثل هذا المسعى خطوة محتملة نحو ثورة في فهمنا للدماغ والتفاعل معه، مقدماً بديلاً للواجهات الدماغية الحاسوبية الغازية.
مشروع سام ألتمان الجديد: قراءة الدماغ بالموجات فوق الصوتية
تأتي هذه الأنباء، التي بدأت تتضح تفاصيلها بشكل أكبر في أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024، لتسلط الضوء على اهتمام ألتمان المستمر بالمشاريع التي تهدف إلى تجاوز حدود القدرات البشرية والتكنولوجية. فبعد قيادته لـ OpenAI نحو طفرة الذكاء الاصطناعي، يتجه ألتمان الآن نحو تحدي آخر يتمثل في استكشاف أعماق العقل البشري، ولكن هذه المرة عبر نهج مختلف تمامًا.
خلفية الطموح التكنولوجي لسام ألتمان
يُعرف سام ألتمان بكونه رائد أعمال ومستثمرًا جريئًا، قاد Y Combinator وأسس OpenAI التي أحدثت نقلة نوعية في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي. تتسق رؤيته دائمًا مع دفع حدود الابتكار البشري نحو آفاق جديدة. في سياق الواجهات الدماغية الحاسوبية (BCIs)، برزت شركات مثل Neuralink التابعة لـ إيلون ماسك بطرقها الجراحية لزرع الشرائح في الدماغ، بهدف ربط العقل بالآلة.
ومع ذلك، فإن الجراحة تحمل مخاطر كبيرة وتثير مخاوف أخلاقية واسعة. هنا يأتي دور المشروع الجديد المدعوم من ألتمان، والذي يسعى لتقديم حل غير جراحي يمكن أن يوفر وصولاً مشابهاً أو مكافِئاً للبيانات الدماغية دون الحاجة إلى تدخل جراحي، مما يفتح الباب أمام قاعدة أوسع من المستخدمين والتطبيقات المحتملة.
التقنية: الموجات فوق الصوتية لفك شيفرة الدماغ
تعتمد الفكرة الأساسية للمشروع على استخدام تقنية الموجات فوق الصوتية المركزة (Focused Ultrasound). تُستخدم هذه التقنية حالياً في مجالات طبية متنوعة للتشخيص والعلاج، بما في ذلك التصوير بالموجات فوق الصوتية وحتى لتدمير الأورام الصغيرة بدقة. أما في سياق قراءة الدماغ، فإن الهدف هو تسخير الموجات فوق الصوتية للكشف عن التغيرات الدقيقة في النشاط العصبي أو تدفق الدم داخل الدماغ.
يُعتقد أن الموجات فوق الصوتية لديها القدرة على اختراق الجمجمة والوصول إلى مناطق أعمق في الدماغ بدقة أعلى من تقنيات مثل تخطيط كهربية الدماغ (EEG) التي تقتصر على قياس النشاط السطحي، ودون الحاجة إلى المغناطيسات الضخمة والمكلفة لتقنيات مثل الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI). يمكن للموجات فوق الصوتية، نظرياً، أن تكشف عن التغيرات الطفيفة في ضغط الدم وحركة الأنسجة المرتبطة بالنشاط العصبي، ومن ثم ترجمة هذه الإشارات إلى معلومات يمكن للحاسوب معالجتها.
الهدف هو بناء جهاز يمكنه التقاط هذه الإشارات وتحويلها إلى أوامر أو بيانات مفهومة، مما يسمح للأفراد بالتحكم في الأجهزة الرقمية، أو التواصل دون الحاجة إلى الحركة الجسدية، أو حتى الحصول على رؤى حول حالتهم الذهنية.
التطورات الأخيرة والتحديات
تشير التقارير إلى أن المشروع، الذي يندرج تحت مظلة مبادرات استثمارية أوسع لألتمان مثل Apollo Projects، يركز على تجاوز القيود الحالية في مجال الواجهات الدماغية الحاسوبية غير الجراحية. على الرغم من أن تفاصيل الشركة الناشئة المحددة لا تزال قيد التكوين أو غير معلنة علناً بشكل كامل، إلا أن التزام ألتمان بدعم فرق بحثية وهندسية قوية في هذا المجال أمر واضح.
لكن الطريق أمام هذه التقنية محفوف بالتحديات. تشمل هذه التحديات:
- الدقة والوضوح: تحقيق مستوى عالٍ من الدقة والوضوح لتمييز الإشارات العصبية المعقدة.
- إزالة الضوضاء: فصل الإشارات الدماغية عن الضوضاء الخلفية والتأثيرات الفسيولوجية الأخرى.
- التفسير: تطوير خوارزميات قوية يمكنها ترجمة الإشارات الصوتية إلى معلومات ذات معنى ومفيدة.
- التنظيم والسلامة: ضمان سلامة استخدام الموجات فوق الصوتية على المدى الطويل على الدماغ البشري والحصول على الموافقات التنظيمية اللازمة.
لماذا يهم هذا الابتكار؟ التأثير المحتمل
إذا نجح هذا المشروع، فإن تأثيره قد يكون تحويلياً على عدة مستويات:
- في المجال الطبي: يمكن أن يوفر أملاً كبيراً للمرضى الذين يعانون من حالات مثل متلازمة الانغلاق (Locked-in Syndrome)، أو الشلل، أو اضطرابات التواصل الشديدة، مما يسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم والتفاعل مع العالم الخارجي. قد يساهم أيضاً في التحكم بالأطراف الصناعية المتطورة مباشرة من خلال الأفكار.
- البحث العلمي: سيوفر أداة قوية للباحثين لدراسة الدماغ البشري بشكل غير جراحي وبدقة غير مسبوقة، مما يفتح آفاقًا جديدة لفهم الأمراض العصبية ووظائف الدماغ المعرفية.
- التطبيقات العامة: على المدى الطويل، قد يمهد الطريق لواجهات دماغية حاسوبية للاستخدام اليومي، مما يسمح للمستخدمين بالتحكم في الأجهزة الرقمية بأفكارهم، أو تحسين الإنتاجية، أو حتى تجربة أشكال جديدة من الترفيه.
ومع ذلك، يثير هذا التقدم أيضاً قضايا أخلاقية مهمة تتعلق بخصوصية الأفكار، وأمن البيانات الدماغية، وإمكانية إساءة استخدام هذه التقنية. سيتطلب المشروع توازناً دقيقاً بين الابتكار والمسؤولية لضمان استخدام هذه التكنولوجيا لخير البشرية.
يمثل مسعى سام ألتمان والمشروع الناشئ المدعوم من قبله باستخدام الموجات فوق الصوتية لقراءة الدماغ خطوة طموحة ومثيرة في سباق تطوير واجهات دماغية حاسوبية غير جراحية. ورغم التحديات الكبيرة التي تنتظرهم، فإن الإمكانات الهائلة لتغيير حياة البشر وفهم العقل البشري تجعل هذا المشروع واحداً من أكثر المشاريع متابعة في المشهد التكنولوجي الحديث.


