كشفت مصادر سورية لوكالة «فرانس برس»، يوم الأربعاء الموافق 11 ديسمبر 2024، أن أحمد الشرع، رئيس الحكومة الانتقالية السورية، يعتزم زيارة العاصمة الروسية موسكو بهدف تقديم طلب رسمي للحكومة الروسية يقضي بتسليم الرئيس السوري السابق بشار الأسد. يمثل هذا التطور خطوة محورية وغير مسبوقة في المشهد السياسي السوري بعد الانهيار السريع لنظام الأسد، ويضع روسيا، الحليف التاريخي لدمشق، أمام تحدٍ دبلوماسي وقانوني كبير.
جاء هذا الإعلان في أعقاب التغيرات الدراماتيكية التي شهدتها سوريا مطلع ديسمبر 2024، حيث تمكنت فصائل المعارضة من إسقاط نظام بشار الأسد والسيطرة على دمشق، مما أدى إلى لجوء الأسد إلى موسكو التي منحته حق اللجوء السياسي. وتعتبر زيارة الشرع المرتقبة إلى موسكو وطلبه تسليم الأسد مؤشراً على عزم الحكومة الانتقالية الجديدة على ترسيخ شرعيتها وفتح ملفات المساءلة عن فترة حكم النظام السابق.
خلفية الانهيار وتأسيس الحكومة الانتقالية
شهدت سوريا في الأيام الأولى من ديسمبر 2024 تحولاً جذرياً غير متوقع، تمثل في الانهيار المتسارع لقوات النظام السوري أمام تقدم فصائل المعارضة، وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام. هذا الانهيار أدى إلى سقوط العاصمة دمشق دون مقاومة تذكر، ومغادرة بشار الأسد للبلاد متوجهاً إلى موسكو، التي طالما كانت الداعم الأكبر لنظامه سياسياً وعسكرياً طوال سنوات الحرب الأهلية التي اندلعت في عام 2011.
عقب سقوط النظام، تم تشكيل حكومة سورية انتقالية للإشراف على شؤون البلاد، وتولى أحمد الشرع، المعروف أيضاً باسم أبو محمد الجولاني، قيادة هذه الحكومة المؤقتة. ويواجه الشرع وحكومته تحديات هائلة، من بينها إعادة بناء الدولة، ومعالجة الأزمة الإنسانية والاقتصادية، والأهم من ذلك، التعامل مع ملفات العدالة والمساءلة التي طال انتظارها.
دوافع الطلب وتحدياته
إن طلب تسليم بشار الأسد يحمل في طياته دلالات سياسية وقانونية عميقة. فمن الناحية السياسية، تسعى الحكومة الانتقالية إلى:
- ترسيخ الشرعية: إظهار قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة وقطع الروابط مع النظام السابق.
- تحقيق العدالة: تلبية مطالب قطاعات واسعة من الشعب السوري بمحاسبة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب خلال الصراع.
- تحديد مسار جديد: رسم ملامح دولة سورية ما بعد الأسد، قائمة على مبادئ مختلفة.
أما من الناحية القانونية، فإن الطلب قد يستند إلى اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ومع ذلك، فإن عملية تسليم الأسد تواجه عقبات جدية، أبرزها:
- اللجوء السياسي في روسيا: منحت موسكو بشار الأسد اللجوء، وهو قرار سيادي قد تتمسك به.
- غياب اتفاقيات التسليم: قد لا توجد اتفاقيات تسليم مجرمين مباشرة ونافذة بين الحكومة الانتقالية وروسيا تسمح بتنفيذ مثل هذا الطلب.
- الموقف الروسي: من الصعب تخيل أن تستجيب روسيا بسهولة لطلب تسليم حليفها التاريخي، والذي أنفقت موارد عسكرية ودبلوماسية هائلة لدعمه. قد ترى موسكو في تسليم الأسد سابقة خطيرة قد تضر بمصداقيتها لدى حلفائها الآخرين.
ردود الفعل والتداعيات المحتملة
من المتوقع أن يثير طلب تسليم بشار الأسد ردود فعل واسعة على الصعيدين الإقليمي والدولي. ستكون الأنظار موجهة نحو موسكو لمعرفة كيفية تعاملها مع هذا الموقف الحرج. قد تواجه روسيا ضغوطاً من دول ومنظمات دولية كانت تطالب بمحاسبة الأسد، لكنها قد تفضل الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية وعدم التخلي عن حليفها السابق.
تأثير على العلاقات السورية-الروسية
لا شك أن هذا الطلب سيؤثر بشكل كبير على طبيعة العلاقة المستقبلية بين الحكومة السورية الانتقالية وروسيا. فبينما تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى إعادة تعريف مكانة سوريا في المنطقة والعالم، فإن هذا الملف سيشكل اختباراً حقيقياً لقدرتها على التعامل مع القوى الكبرى. قد تحاول روسيا التفاوض على حلول بديلة تخدم مصالحها مع تجنب تسليم الأسد، أو قد ترفض الطلب بشكل قاطع، مما قد يؤدي إلى توترات دبلوماسية واضحة.
الموقف الدولي
من المرجح أن ترحب دول غربية ومنظمات حقوق الإنسان بطلب المساءلة، معتبرة إياه خطوة نحو تحقيق العدالة. في المقابل، قد تكون بعض الدول الأخرى أكثر حذراً في رد فعلها، نظراً للتعقيدات الجيوسياسية والعلاقات المتشابكة مع روسيا. يمثل هذا التطور فرصة للمجتمع الدولي لإعادة تأكيد التزامه بمبادئ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب.
أهمية المساءلة وبناء المستقبل
بغض النظر عن النتيجة النهائية لطلب التسليم، فإن طرحه بحد ذاته يعيد قضية المساءلة والعدالة إلى الواجهة في سوريا. فبعد عقود من الإفلات من العقاب، يبعث هذا الطلب برسالة واضحة مفادها أن لا أحد فوق القانون، وأن مرتكبي الجرائم الخطيرة يجب أن يواجهوا العدالة. هذه الخطوة قد تكون حاسمة لبناء ثقة الشعب في الحكومة الجديدة، وتمهيد الطريق نحو مصالحة وطنية حقيقية وبناء دولة تحترم حقوق الإنسان.
في الختام، تعد زيارة أحمد الشرع لموسكو وطلبه تسليم بشار الأسد لحظة تاريخية ستحدد إلى حد كبير مسار العلاقات المستقبلية بين سوريا وروسيا، وتؤثر على جهود بناء دولة سورية جديدة تقوم على العدالة والمساءلة. ستبقى الأيام القادمة حاسمة في الكشف عن الكيفية التي ستتفاعل بها الأطراف المعنية مع هذا الطلب المعقد والملف الشائك.





