مصممة أزياء بارزة: الموضة العصرية تتجاوز المظهر لترسيخ المسؤولية البيئية
صرحت مصممة أزياء بارزة، في حوار أُجري معها مطلع هذا الأسبوع، بأن مفهوم الموضة في الوقت الراهن قد تطور ليصبح مسؤولية بيئية عميقة، متجاوزًا بذلك دوره التقليدي كمجرد مظهر خارجي أو صيحة عابرة. تؤكد المصممة أن الوعي المتزايد بالتأثير البيئي للصناعات المختلفة، ومنها صناعة الأزياء، بات يفرض على المصممين والمستهلكين على حد سواء تبني نهج أكثر استدامة وأخلاقية.
خلفية عن الموضة المستدامة وتحديات الصناعة
لطالما ارتبطت صناعة الأزياء بالبريق والتألق، لكن تحت هذا السطح اللامع تكمن حقيقة بيئية ثقيلة. تُعد صناعة الأزياء من أكثر الصناعات تلويثًا واستهلاكًا للموارد على مستوى العالم. تشير الإحصائيات إلى أنها تساهم بنسبة كبيرة في انبعاثات الكربون العالمية، وتستهلك كميات هائلة من المياه في زراعة الألياف وإنتاج المنسوجات وعمليات الصباغة. على سبيل المثال، يتطلب إنتاج قميص قطني واحد آلاف اللترات من الماء، بينما تتسبب عمليات الصباغة في تلويث المجاري المائية بمواد كيميائية ضارة. إضافة إلى ذلك، ينتج عن هذه الصناعة كميات هائلة من النفايات الناتجة عن الملابس غير المباعة وتلك التي يتخلص منها المستهلكون بسرعة، خاصة مع ظهور مفهوم "الموضة السريعة" (Fast Fashion).
لقد أدت ظاهرة الموضة السريعة، التي تعتمد على إنتاج كميات كبيرة من الملابس الرخيصة لمواكبة أحدث الصيحات وتغييرها بشكل مستمر، إلى تفاقم هذه المشكلات. فالمستهلكون يشترون أكثر ويتخلصون من ملابسهم أسرع، مما يضع ضغطًا هائلاً على الموارد الطبيعية ويزيد من حجم النفايات في مدافن القمامة، والتي غالبًا ما تحتوي على ألياف صناعية غير قابلة للتحلل الحيوي مثل البوليستر، مما يؤدي إلى تراكمها لمئات السنين، فضلاً عن إطلاقها للجسيمات البلاستيكية الدقيقة (Microplastics) في البيئة عند الغسيل.
تصريحات المصممة ودلالاتها العميقة
في تصريحاتها الأخيرة، شددت المصممة على أن العصر الذي كانت فيه الموضة مجرد مرادف للمظهر الخارجي أو الفخامة قد ولى. بدلاً من ذلك، ترى أن الموضة اليوم هي تعبير عن الوعي والمسؤولية تجاه الكوكب والمجتمع. وأوضحت أن هذا التحول يستلزم إعادة التفكير في جميع مراحل دورة حياة المنتج، من التصميم والاختيار المواد الخام وصولاً إلى الإنتاج والتوزيع وحتى كيفية التخلص من الملابس أو إعادة تدويرها بعد انتهاء صلاحيتها.
تشمل هذه المسؤولية البيئية جوانب متعددة، منها:
- اختيار المواد المستدامة: تفضيل الأقمشة العضوية، المعاد تدويرها، أو تلك المصنوعة من مصادر متجددة وبطرق تقلل من استهلاك المياه والطاقة والمواد الكيميائية الضارة.
 - التصميم الدائم والجودة العالية: التركيز على تصنيع قطع أزياء تدوم طويلاً وتتجاوز الصيحات الموسمية العابرة، لتشجيع الاستهلاك الأقل والتخلص البطيء.
 - عمليات الإنتاج الأخلاقية: ضمان ظروف عمل عادلة وآمنة للعمال في جميع مراحل الإنتاج، والالتزام بمعايير بيئية صارمة في المصانع.
 - الشفافية في سلاسل التوريد: معرفة مصدر المواد الخام وكيفية معالجتها لضمان عدم وجود ممارسات ضارة بالبيئة أو المجتمع.
 - دعم الاقتصاد الدائري: تصميم الملابس بحيث يمكن إعادة استخدامها أو إصلاحها أو إعادة تدويرها في نهاية عمرها الافتراضي، لتقليل النفايات إلى أقصى حد ممكن.
 
تؤكد المصممة أن هذه الرؤية الجديدة للموضة ليست مجرد خيار، بل أصبحت ضرورة ملحة لمواجهة التحديات البيئية العالمية، مشيرة إلى أن الجمال الحقيقي للأزياء يكمن الآن في قدرتها على الإلهام لعيش حياة أكثر استدامة.
التطورات الحديثة والتوجهات العالمية نحو الموضة المستدامة
لم تعد الموضة المستدامة مجرد مفهوم هامشي يتبناه عدد قليل من المصممين أو العلامات التجارية. ففي السنوات الأخيرة، شهدت الصناعة تحولاً ملحوظًا نحو تبني الممارسات المستدامة على نطاق أوسع. يزداد وعي المستهلكين بشكل مطرد بتأثير خياراتهم الشرائية، ويزداد طلبهم على المنتجات الشفافة والمسؤولة. هذا الطلب دفع العديد من العلامات التجارية الكبرى، بالإضافة إلى المصممين الناشئين، إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم ودمج الاستدامة في صميم نماذج أعمالهم.
تشمل هذه التطورات استخدام تقنيات مبتكرة لتقليل النفايات، مثل التصميم الرقمي ثلاثي الأبعاد الذي يقلل من الحاجة إلى عينات مادية متعددة، وتطوير ألياف جديدة ومستدامة مثل "الجلود النباتية" المصنوعة من الأناناس أو الفطر. كما برزت مبادرات لإعادة تدوير المنسوجات القديمة وتحويلها إلى أقمشة جديدة، بالإضافة إلى نماذج عمل جديدة مثل تأجير الملابس أو أسواق السلع المستعملة (second-hand) التي تشهد رواجًا كبيرًا، مما يساهم في إطالة عمر الملابس وتقليل النفايات.
وتُظهر التقارير الصادرة في الأشهر الأخيرة أن الحكومات والمنظمات الدولية بدأت تلعب دورًا أكبر في تشجيع الموضة المستدامة من خلال وضع معايير ولوائح بيئية أكثر صرامة، وتقديم حوافز للشركات التي تتبنى ممارسات صديقة للبيئة. هذا التعاون بين المصممين، الشركات، المستهلكين، والمشرعين يرسم ملامح مستقبل أكثر استدامة لصناعة الأزياء.
التأثير على المستهلكين والصناعة على المدى الطويل
إن تبني الموضة كمسؤولية بيئية له تأثيرات عميقة على المستهلكين والصناعة على حد سواء. بالنسبة للمستهلك، فإنه يوفر الفرصة لاتخاذ قرارات شراء أكثر وعيًا، لا تقتصر على الذوق الشخصي بل تمتد لتشمل التأثير الأخلاقي والبيئي. هذا التوجه يشجع على ثقافة الاستهلاك المسؤول، حيث يتم تقدير الجودة على الكمية، وتُصبح القطع التي يتم شراؤها استثمارات طويلة الأمد بدلاً من مشتريات عابرة. كما يمكن للمستهلكين المشاركة بفعالية في الاقتصاد الدائري من خلال إصلاح ملابسهم، التبرع بها، بيعها، أو إعادة تدويرها.
أما بالنسبة للصناعة، فإن هذا التحول يدفع عجلة الابتكار ويخلق فرصًا جديدة. الشركات التي تستثمر في الممارسات المستدامة لا تُلبي فقط توقعات المستهلكين المتغيرة، بل تساهم أيضًا في بناء علامة تجارية ذات سمعة قوية ومقاومة للتغيرات المستقبلية. كما أن التحول نحو الاستدامة يفتح الباب لتطوير مواد جديدة، تقنيات إنتاج أكثر كفاءة، ونماذج أعمال مبتكرة يمكن أن تحقق ربحية مع الحفاظ على الكوكب. إنها دعوة للمصممين لإعادة تعريف الإبداع، حيث لا يقتصر الإلهام على الجماليات بل يمتد ليشمل حلولاً للتحديات البيئية.
بشكل عام، فإن وجهة النظر التي قدمتها المصممة البارزة، والتي تعتبر الموضة مسؤولية بيئية قبل أن تكون مظهرًا، تمثل نقطة تحول حاسمة في الصناعة. إنها دعوة للجميع، من المصممين والمنتجين إلى المستهلكين، للمساهمة في بناء مستقبل تتناغم فيه الأناقة مع الاستدامة، وتُعامل فيه الملابس ليس فقط كسلع استهلاكية، بل كجزء من نظام بيئي أكبر يتطلب الاحترام والعناية.