مطالبات بمراجعة جدول التنس بسبب تزايد إصابات اللاعبين، وآخرهم هولغر رونه
تصاعدت الدعوات مؤخراً لمراجعة شاملة لجدول بطولات التنس الاحترافية، وذلك في ظل تزايد ملحوظ في إصابات اللاعبين البارزين. جاءت هذه المطالبات على لسان عدد من النجوم الصاعدين، أبرزهم اللاعب البريطاني جاك دريبر، الذي حث رابطة محترفي التنس (ATP) على إعادة تقييم جدولها المزدحم لضمان مستقبل مهني أطول وأكثر صحة للاعبي الجيل الجديد. وقد تزامن حديث دريبر مع تأكيد إصابة النجم الدنماركي الواعد هولغر رونه، المصنف ضمن العشرة الأوائل عالمياً، الذي انضم لقائمة طويلة من اللاعبين الذين يعانون من مشكلات بدنية، مما يسلط الضوء مجدداً على التحديات الجسدية الهائلة التي يواجهها الرياضيون في هذه اللعبة.

خلفية المشكلة: جدول مرهق وتكاليف جسدية
لطالما كان جدول التنس موضوع نقاش حاد داخل الأوساط الرياضية على مدى سنوات طويلة. فالموسم الاحترافي يمتد عملياً على مدار أحد عشر شهراً من السنة، من يناير وحتى نوفمبر، ويتطلب من اللاعبين السفر المستمر عبر قارات مختلفة، والمشاركة في بطولات متتالية تتطلب التكيف السريع مع مناطق زمنية متعددة وأنواع أسطح ملاعب متنوعة (ترابية، عشبية، صلبة). هذا النمط المتواصل، بالإضافة إلى شدة المنافسة في كل مباراة، لا يترك مجالاً كافياً للتعافي الجسدي والنفسي، ويزيد بشكل كبير من احتمالية الإصابات الناتجة عن الإجهاد المتكرر والإرهاق العضلي والمفصلي. وقد أصبحت هذه المشكلة أكثر وضوحاً مع تزايد قوة اللعبة وطلب اللياقة البدنية القصوى.
يواجه اللاعبون الشباب، على وجه الخصوص، صعوبة في التأقلم مع هذه المتطلبات القاسية في بداية مسيرتهم، حيث تكون أجسامهم لا تزال في طور التطور، وخبرتهم في إدارة الأحمال البدنية أقل مقارنة بالمخضرمين الذين بنوا أجسامهم على مدار سنوات. وقد أشار محللون وخبراء إلى أن السعي المحموم لجمع النقاط وتحسين التصنيف العالمي يدفع العديد من اللاعبين للمشاركة في عدد كبير من البطولات، حتى لو كانوا يعانون من إرهاق أو إصابات طفيفة، مما يفاقم من مشكلة الإجهاد ويحول الإصابات الطفيفة إلى مزمنة.
حالة هولغر رونه وجاك دريبر: أصوات من الجيل الجديد
تعتبر حالة هولغر رونه، النجم الدنماركي الذي فرض نفسه بقوة على الساحة العالمية في سن مبكرة، مثالاً صارخاً على تأثير الجدول المزدحم. فخلال النصف الثاني من موسم 2023، عانى رونه من إصابة متكررة في الظهر، بالإضافة إلى مشكلات في الرسغ، أثرت بشكل واضح على أدائه في عدة بطولات رئيسية، بما في ذلك بطولة أمريكا المفتوحة وبطولات الأساتذة اللاحقة. وقد أعرب اللاعب الدنماركي علناً عن إحباطه من الوضع وعن صعوبة اللعب تحت الألم المستمر، مما أثر على ثقته وقدرته على المنافسة بأعلى المستويات.
من جانبه، يعرف جاك دريبر، اللاعب البريطاني الواعد الذي تعرض هو نفسه لسلسلة من الإصابات المؤثرة في بداية مسيرته الاحترافية، تماماً ما يعنيه اللعب مع الإجهاد الجسدي. وقد أكد في تصريحات صحفية صدرت في أواخر عام 2023 أن "موسم التنس طويل جداً، ويتعين على رابطة محترفي التنس مراجعته بجدية. إذا أردنا أن يحظى اللاعبون الشباب بمسيرة مهنية تمتد لـ 10 أو 12 عاماً، فلا يمكننا الاستمرار بهذا الشكل". وتؤكد تصريحات دريبر على أن اللاعبين لا يحصلون على وقت كافٍ للاستعداد البدني والتعافي بين البطولات، مما يعرضهم لخطر الإصابات المزمنة التي قد تقصر من حياتهم المهنية.
تأثيرات أوسع على اللعبة ومستقبلها
لا تقتصر تداعيات الجدول المزدحم على صحة اللاعبين الفردية فحسب، بل تمتد لتؤثر على جودة المنافسة في اللعبة ككل وجاذبيتها للجماهير. فغياب اللاعبين المصابين عن البطولات الكبرى، أو مشاركتهم وهم ليسوا في كامل لياقتهم البدنية، يحرم الجماهير من مشاهدة أفضل المواجهات بأعلى مستوى تنافسي، ويقلل من القيمة التنافسية للأحداث. وقد شهدت مواسم سابقة انسحاب نجوم بارزين مثل كارلوس ألكاراز ويانييك سينر من بطولات هامة بسبب الإصابات، مما يؤكد أن المشكلة ليست فردية بل هيكلية.
تشير الإحصائيات إلى ارتفاع في عدد حالات الانسحاب من المباريات والإصابات التي تستدعي فترات راحة طويلة، خاصة بين اللاعبين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و25 عاماً والذين يمثلون الجيل الجديد من نجوم التنس. هذا النمط يقود إلى تساؤلات جدية حول استدامة النموذج الحالي للتنس الاحترافي وقدرته على الحفاظ على نجومه لفترة طويلة، في رياضة تتطلب قمة الأداء البدني لسنوات عديدة.
ردود الفعل والحلول المقترحة
لا يقتصر القلق بشأن جدول التنس على اللاعبين فحسب، بل يشاركهم فيه عدد من المدربين، والمعلقين الرياضيين، والمسؤولين السابقين. وقد طرحت عدة أفكار لمواجهة هذه المشكلة المزمنة، منها:
- تقليص عدد البطولات الإلزامية: منح اللاعبين مرونة أكبر في اختيار البطولات التي يشاركون فيها دون التأثير سلباً على تصنيفهم أو فرصهم المالية.
 - توفير فترة راحة أطول بين المواسم: إنشاء فترة إجازة واضحة وممتدة تسمح للاعبين بالتعافي الكامل جسدياً وذهنياً والاستعداد للموسم الجديد دون ضغط المنافسة الفورية.
 - توحيد أسطح الملاعب لفترات أطول: تقليل الإجهاد البدني الناتج عن التكيف المستمر مع أنواع مختلفة من الأسطح، والذي يمكن أن يؤثر على المفاصل والعضلات.
 - تحسين أنظمة التعافي والدعم الطبي: توفير موارد إضافية لمساعدة اللاعبين على التعافي السريع والفعال، بما في ذلك فرق دعم متخصصة في العلاج الطبيعي والتغذية.
 - إعادة النظر في نظام جمع النقاط: تصميم نظام يشجع على المشاركة الانتقائية بدلاً من المشاركة المكثفة.
 
من جهتها، تواجه رابطة محترفي التنس (ATP) تحديات كبيرة في إجراء تغييرات جذرية على الجدول، حيث ترتبط هذه التغييرات بعقود البث والرعاية طويلة الأمد، وتتطلب التنسيق مع الاتحادات الدولية والبطولات الكبرى الأربع. أي تعديل يمكن أن تكون له تبعات مالية ولوجستية ضخمة. ومع ذلك، فإن الضغوط المتزايدة من اللاعبين، خاصة الشباب منهم، قد تدفع الرابطة لإعادة تقييم أولوياتها وتقديم حلول مستدامة تضمن صحة النجوم ومستقبل اللعبة على المدى الطويل.
يبقى النقاش حول جدول التنس مفتوحاً وحيوياً، وتُعد تصريحات لاعبين مؤثرين مثل دريبر ووضع رونه الصحي بمثابة جرس إنذار يدعو صناع القرار في اللعبة إلى التحرك بجدية أكبر قبل أن تتزايد قائمة الإصابات وتتأثر جاذبية الرياضة وتنافسيتها بشكل أكبر.





