معرض "We Design Beirut": بيروت تتحول إلى متحف مفتوح للفن والأزياء
انطلق معرض "We Design Beirut" مؤخراً، ليُقدم تجربة ثقافية فريدة تُعيد تعريف العاصمة اللبنانية كمركز نابض بالحياة للفن والتصميم والأزياء. ويُقام الحدث في مواقع متعددة، من أبرزها فيلا عودة العريقة في منطقة الأشرفية، حيث يتحول كل ركن إلى مساحة عرض فنية تروي قصصاً من الإبداع والصمود. وتُعد هذه المبادرة بمثابة دعوة لاكتشاف بيروت كـ"متحف مفتوح"، لا يقتصر على جدران المعارض التقليدية، بل يمتد ليشمل نسيج المدينة بأكملها.

سياق المعرض ورؤيته
يُشكل معرض "We Design Beirut" أكثر من مجرد حدث فني؛ إنه احتفال بالهوية اللبنانية ومرونتها. وقد تأسس هذا المعرض بهدف أساسي هو تسليط الضوء على المواهب اللبنانية في مجالات التصميم المختلفة، من التصميم الداخلي والمفروشات إلى الأزياء والمجوهرات والفنون التشكيلية. ويسعى المنظمون إلى توفير منصة حيوية للمصممين المحليين، سواء كانوا من الرواد أو الوجوه الصاعدة، لعرض أعمالهم وإقامة حوار ثقافي يُسهم في إثراء المشهد الإبداعي في بيروت وخارجها.
تتمحور رؤية المعرض حول فكرة "بيروت المتحف المفتوح"، حيث يتم دمج الفن والتصميم في النسيج العمراني للمدينة. وهذا يتضمن استخدام مبانٍ تاريخية وفضاءات عامة وبيوت خاصة كخلفيات للقطع الفنية والتصاميم، مما يُضفي على التجربة بعداً تفاعلياً وعمقاً تاريخياً. الهدف هو إظهار كيف يمكن للإبداع أن يتجذر في قلب المدينة، مُتجاوزاً التحديات، ومُعيداً تشكيل السردية البصرية لبيروت من خلال أعمال فنية تُحفز على التأمل.
تسليط الضوء على إبداعات الفن والتصميم
يحتضن المعرض مجموعة واسعة من الإبداعات، تتراوح بين الأثاث العصري، والتصاميم المستدامة، والمنسوجات الحرفية، والمجوهرات الفاخرة، والأزياء الراقية، وصولاً إلى القطع الفنية التركيبية. وتُبرز هذه الأعمال التنوع الغني للإلهام اللبناني، الذي يجمع بين التراث الشرقي والتأثيرات الغربية، مما يُنتج أسلوباً مميزاً يحظى بتقدير عالمي.
من أبرز المعروضات وأكثرها تأثيراً هو العمل التركيبي الذي يُقدم استوديو الموسيقي اللبناني خالد مزنّر في فيلا عودة. هذا الاستوديو، الذي تحطم بشكل مأساوي جراء انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، يُعرض الآن كجزء من المعرض، حيث يظهر البيانو المعلّق في السقف والأغراض المتطايرة في الهواء. هذا المشهد المُلفت ليس مجرد عرض للأضرار، بل هو رمز قوي للصمود والذاكرة. وتتكامل هذه القطعة الفنية التركيبية مع المقطوعة الموسيقية "نبض" التي ألفها مزنّر مباشرة بعد الانفجار، لتقدم تجربة حسية تُجسد الألم والأمل في آن واحد. ويُعد هذا العمل مثالاً بارزاً لكيفية تحويل الفن للتجارب المؤلمة إلى تعبيرات بليغة عن الحياة.
تُسلط المعروضات الأخرى الضوء على مواضيع متنوعة مثل الاستدامة في التصميم، وإعادة تدوير المواد، ودمج الحرف اليدوية التقليدية مع التقنيات الحديثة، مما يعكس التزام المصممين اللبنانيين بالابتكار والوعي البيئي والاجتماعي.
بيروت: مركز للإبداع والتحديات
لطالما عُرفت بيروت بأنها منارة ثقافية وإبداعية في المنطقة، ومركزاً يجمع الفنانين والمصممين والمفكرين. وقد شهدت المدينة على مر العصور ازدهاراً فنياً وثقافياً ملحوظاً، تاركة بصمتها في مجالات الفن المعاصر والتصميم والأزياء. ورغم التحديات الكبيرة التي واجهتها المدينة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الأزمات الاقتصادية والسياسية المدمرة والانفجار الكارثي في المرفأ، إلا أن الروح الإبداعية لم تنطفئ.
تُبرهن فعاليات مثل "We Design Beirut" على أن الفن والتصميم ليسا مجرد ترف، بل هما جزء لا يتجزأ من عملية التعافي وإعادة البناء. إنها تُوفر للمجتمع اللبناني وسيلة للتعبير عن صموده وتطلعاته، كما تُقدم فرصة للمواهب المحلية للاستمرار في عملها، مما يُسهم في دعم الاقتصاد الإبداعي الذي يُعد شرياناً حيوياً للمدينة.
الأثر والرسالة
يترك معرض "We Design Beirut" أثراً عميقاً على عدة مستويات:
- تعزيز الاقتصاد الإبداعي: من خلال توفير منصة للمصممين لبيع أعمالهم والتواصل مع جمهور أوسع، يُسهم المعرض في تنشيط الدورة الاقتصادية للقطاع الإبداعي.
 - الترويج لبيروت عالميًا: يُعيد المعرض وضع بيروت على الخريطة الثقافية العالمية كوجهة رئيسية للتصميم والفن، مما يجذب الزوار الدوليين ويُعزز صورتها كمدينة حيوية وملهمة.
 - الصمود الثقافي: يُرسل المعرض رسالة قوية حول قدرة الشعب اللبناني على تحويل المحن إلى فرص للإبداع والتعبير، مؤكداً على أن الفن يُمكن أن يكون قوة دافعة للتغيير والأمل.
 - الحفاظ على التراث: يُبرز المعرض أهمية الحرف اليدوية والتقاليد اللبنانية، مع دمجها في سياقات تصميمية حديثة، مما يُسهم في الحفاظ على هذا التراث الثقافي الغني وتطويره.
 
في الختام، يُمثل معرض "We Design Beirut" شهادة حية على الروح الإبداعية لبيروت وقدرتها على النهوض من الرماد. إنه ليس مجرد عرض للتصاميم، بل هو احتفال بالحياة، بالذاكرة، وبالمستقبل الواعد الذي يمكن للفن أن يُلهمه في قلب هذه المدينة العريقة، مُؤكداً مكانتها كمتحف مفتوح لا ينضب من الإلهام.





