مقتل قيادي حوثي بارز في صنعاء: هل يشير إلى تغلغل إسرائيلي عميق؟
في تطور لافت شهدته الأيام الأخيرة، أعلنت جماعة الحوثي في اليمن عن مقتل رئيس هيئة الأركان العامة لقواتها، محمد عبد الكريم الغماري، متأثراً بجروحه بعد استهداف دقيق في العاصمة صنعاء. ورغم أن الحوثيين لم يحددوا الجهة المسؤولة بشكل مباشر في بياناتهم الأولية، إلا أن التقارير المتداولة والمصادر المطلعة أشارت إلى أن الاستهداف كان إسرائيلياً، مما يثير تساؤلات جدية حول مدى قدرة إسرائيل على اختراق التحصينات الأمنية لجماعة الحوثي في معقلها الرئيسي.

يمثل هذا الحدث، إذا تأكدت المزاعم الإسرائيلية، تصعيداً خطيراً وتصدعاً نادراً في جدار السرية والتحصين الذي أحاطت به الجماعة نفسها على مدى العقد الماضي. كما أنه يضع قضية «التغلغل الإسرائيلي» في قلب الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون على طاولة النقاش، في وقت تشهد فيه المنطقة توترات غير مسبوقة.
خلفية الأحداث وتصاعد التوترات
تسيطر جماعة أنصار الله (الحوثيون) على العاصمة اليمنية صنعاء منذ عام 2014، وتخوض حرباً ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وتحالف تقوده السعودية. وقد اكتسبت الجماعة نفوذاً عسكرياً وسياسياً كبيراً خلال السنوات الماضية، وأصبحت لاعباً إقليمياً رئيسياً بدعم من إيران.
- محمد عبد الكريم الغماري: كان الغماري شخصية عسكرية رفيعة ومؤثرة داخل الهيكل العسكري للحوثيين، ويُعتقد أنه لعب دوراً محورياً في تنسيق العمليات العسكرية للجماعة، بما في ذلك الهجمات الأخيرة في البحر الأحمر. يُنظر إلى وفاته على أنها ضربة كبيرة لقيادة الحوثيين وقدراتهم التخطيطية.
- التصعيد في البحر الأحمر: منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023، كثفت جماعة الحوثي هجماتها على السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن، مستهدفة السفن التي يُزعم أنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إليها، وذلك دعماً للفلسطينيين في غزة. وقد أدت هذه الهجمات إلى تشكيل تحالف بحري دولي بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة التهديد الحوثي، ونفذت الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات جوية وبحرية ضد مواقع حوثية في اليمن.
- العلاقة مع إسرائيل: على الرغم من أن إسرائيل نادراً ما تعلن مسؤوليتها عن عمليات خارج حدودها المباشرة، فإنها تُعتبر طرفاً رئيسياً في الصراع الإقليمي الأوسع الذي يضم وكلاء إيران. أي استهداف إسرائيلي في عمق صنعاء سيمثل تحولاً كبيراً في استراتيجية المواجهة، مشيراً إلى قدرات استخباراتية وتنفيذية متقدمة.
تفاصيل الاستهداف المزعوم وتداعياته
وفقاً للتقارير التي وردت في أعقاب الإعلان الحوثي، فإن الاستهداف الذي أدى إلى مقتل الغماري كان دقيقاً للغاية، مما يشير إلى معلومات استخباراتية عالية المستوى. لم تُذكر تفاصيل كثيرة عن طبيعة الاستهداف أو الأسلحة المستخدمة، لكن مجرد وقوعه في قلب صنعاء، التي تخضع لسيطرة أمنية مشددة من قبل الحوثيين، يطرح علامات استفهام حول الشبكات التي قد تكون سهلت هذه العملية.
تُعد صنعاء معقلاً آمناً نسبياً لقيادات الحوثي منذ سيطرتهم عليها. وبالتالي، فإن أي عملية اختراق بهذا العمق تشير إلى:
- قدرة استخباراتية متطورة: قد يكون لدى الجهة المنفذة قدرات استخباراتية تسمح لها بتحديد أهداف رفيعة المستوى وتتبع تحركاتها داخل المناطق الحوثية.
- تعاون داخلي محتمل: لا يستبعد بعض المحللين وجود شكل من أشكال التعاون الداخلي أو التسهيل اللوجستي الذي سمح بتنفيذ هذه العملية بنجاح.
- تحدي أمني للحوثيين: يمثل هذا الحدث تحدياً أمنياً كبيراً للحوثيين، وقد يدفعهم إلى إعادة تقييم إجراءاتهم الأمنية وتدابير حماية قياداتهم، مما قد يؤثر على فعالية عملياتهم ومرونتهم.
الأهمية الإقليمية والدولية
لا يمكن فصل هذا التطور عن السياق الإقليمي الأوسع للصراع. إذا تأكدت المسؤولية الإسرائيلية، فإن ذلك يرسل رسالة واضحة بمدى استعداد إسرائيل للوصول إلى أهداف بعيدة، خاصة تلك التي تهدد مصالحها الأمنية بشكل مباشر أو غير مباشر، مثل الهجمات في البحر الأحمر التي أثرت على الملاحة الدولية.
يمكن أن يؤدي هذا الاستهداف إلى عدة تداعيات:
- تصعيد محتمل: قد يدفع الحوثيين إلى تصعيد ردهم، سواء في البحر الأحمر أو من خلال استهدافات أخرى، سعياً للانتقام وتأكيد قدرتهم على الرد.
- رسالة ردع: من جانب إسرائيل، يمكن أن يُنظر إلى العملية كرسالة ردع قوية لكل من الحوثيين وداعميهم الإقليميين بأن أي تهديد سيُواجه برد حاسم.
- تأثير على ديناميكيات الصراع اليمني: قد يؤثر مقتل الغماري على ميزان القوى داخل اليمن، ويُحتمل أن يضعف القدرات العسكرية للحوثيين في بعض الجوانب، خاصة إذا كان من الصعب تعويض خبرته ومعرفته.
في الختام، يُعد مقتل محمد عبد الكريم الغماري في صنعاء، خاصة في ظل المزاعم الإسرائيلية، حدثاً بالغ الأهمية يعكس التعقيدات المتزايدة للصراعات الإقليمية. إنه لا يثير فقط تساؤلات حول قدرات التغلغل الاستخباراتي في مناطق النفوذ الحوثي، بل يؤكد أيضاً على أن اليمن، بعيداً عن كونه صراعاً محلياً، أصبح جزءاً لا يتجزأ من المواجهة الإقليمية الأوسع التي تشمل أطرافاً متعددة ذات مصالح متباينة.





