مواجهات كلامية تشعل المنصات الرقمية في مصر: علاء مبارك وساويرس ضد مصطفى بكري
شهدت منصة "إكس" (تويتر سابقاً) خلال الفترة الأخيرة فصولاً جديدة من السجالات والمواجهات الكلامية الحادة التي باتت سمة بارزة في الفضاء الرقمي المصري، وكان أبطالها شخصيات عامة بارزة تضم علاء مبارك، نجل الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، ورجل الأعمال المعروف نجيب ساويرس، في مواجهة الإعلامي وعضو مجلس النواب مصطفى بكري. أثارت هذه المناوشات تفاعلاً واسعاً بين المتابعين، عاكسة حالة من الاستقطاب السياسي والاجتماعي، وأعادت إلى الواجهة نقاشات حول الولاءات السياسية وتفسير الأحداث التاريخية الحديثة في مصر.

خلفية التوترات والشخصيات الرئيسية
لفهم أبعاد هذه المواجهات، لا بد من النظر إلى خلفيات أطرافها. يمثل مصطفى بكري، وهو صحفي وإعلامي يشغل مقعداً في البرلمان، صوتاً مؤيداً بقوة للسلطة الحالية، وهو معروف بآرائه المتقلبة التي تحولت من دعم نظام مبارك إلى انتقاده بعد ثورة 25 يناير 2011، ثم العودة ليكون من أبرز المدافعين عن الوضع السياسي الراهن. من جهة أخرى، يستخدم علاء مبارك حسابه على منصة "إكس" بشكل متزايد للتعليق على الشؤون العامة، منتقداً أحياناً الأوضاع الاقتصادية ومستهدفاً شخصيات يعتبرها "انتهازية" أو من الذين انقلبوا على والده. أما نجيب ساويرس، فهو أحد أقطاب المال والأعمال في مصر، ويشتهر بآرائه الجريئة والصريحة التي غالباً ما تثير الجدل، حيث لا يتردد في انتقاد سياسات اقتصادية أو مواقف سياسية معينة.
شرارة السجال الأخير: تهنئة عيد الميلاد
اندلعت أحدث جولات التراشق في أواخر نوفمبر 2023، عندما نشر مصطفى بكري تدوينة يهنئ فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي بعيد ميلاده، مشيداً بإنجازاته. سرعان ما رد علاء مبارك بتغريدة ساخرة لاقت انتشاراً كبيراً، قال فيها: "الأستاذ مصطفى، كل سنة وحضرتك طيب، بس متنساش برضه عيد ميلادي عشان منتخانقش"، في إشارة لاذعة إلى ما يراه تقرباً من بكري للسلطة الحالية وتناسيه لعلاقته السابقة بنظام والده. هذا التعليق الساخر فتح الباب أمام آلاف التعليقات من المتابعين الذين انقسموا بين مؤيد ومعارض، واستدعوا مواقف بكري السياسية السابقة، مما حول المناسبة إلى ساحة للجدل السياسي.
دخول نجيب ساويرس على الخط
لم تقتصر المواجهات على علاء مبارك، بل امتدت لتشمل رجل الأعمال نجيب ساويرس، الذي دخل في سجالات متكررة مع بكري. غالباً ما تدور خلافاتهما حول قضايا اقتصادية وسياسية. فعندما يعبر ساويرس عن رأي ينتقد فيه أداء الحكومة الاقتصادي أو بعض القرارات، يتصدى له بكري باتهامات تمس وطنيته أو تشكك في دوافعه، واصفاً آراءه بأنها تهدف لخدمة مصالحه الشخصية. في المقابل، يرد ساويرس بأسلوب حاد، متهماً بكري بالافتقار إلى المصداقية وبأنه يمثل الإعلام الموجه. هذه السجالات تعكس تبايناً حاداً في وجهات النظر بين النخبة الاقتصادية التي تطالب بمزيد من الحرية والانفتاح، وبين الأصوات الإعلامية والسياسية المحسوبة على الدولة.
الأبعاد والدلالات الأوسع
تتجاوز هذه المواجهات الكلامية كونها مجرد خلافات شخصية، لتقدم مؤشرات هامة حول المناخ العام في مصر. فهي تكشف عن عدة جوانب رئيسية:
- ساحة جديدة للسياسة: أصبحت منصات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً "إكس"، المسرح الرئيسي الذي تلجأ إليه النخب السياسية والاقتصادية لتصفية الحسابات، وتوجيه الرسائل، وحشد الرأي العام، بعيداً عن وسائل الإعلام التقليدية التي تخضع لرقابة أكبر.
- صراع الروايات التاريخية: تستدعي هذه السجالات بشكل دائم حقبتي مبارك وما بعد 2011، مما يظهر أن هناك صراعاً مستمراً حول كتابة التاريخ وتفسير أحداثه، خاصة فيما يتعلق بالولاءات والتحولات السياسية للشخصيات العامة.
- انعكاس للاستقطاب المجتمعي: التفاعل الجماهيري الضخم مع هذه التغريدات، والذي يتسم بالحدة والانقسام، يعكس حالة الاستقطاب التي يعيشها المجتمع المصري حول القضايا السياسية والاقتصادية وشخصياتها الفاعلة.
- غياب الحوار المنظم: تُظهر هذه الظاهرة غياب مساحات الحوار العام المنظم والهادئ، حيث تحول النقاش إلى تراشق وتبادل اتهامات، مما يغذي حالة التوتر بدلاً من المساهمة في إيجاد حلول.
في المحصلة، تمثل هذه المواجهات الرقمية نافذة يمكن من خلالها رؤية الديناميكيات المعقدة التي تحكم العلاقة بين المال والإعلام والسلطة في مصر، وتوضح كيف أن ظلال الماضي لا تزال تلقي بوزنها على الحاضر السياسي للبلاد.





