موسكو تعلق لأول مرة على مطالب تسليم الأسد وتصفها بـ'الغريبة'
في أول رد فعل رسمي من موسكو على المطالبات بتسليم الرئيس السوري السابق بشار الأسد، الذي لجأ إليها عقب انهيار نظامه، وصف مسؤول برلماني روسي بارز هذه الدعوات بأنها "غريبة". جاء هذا التصريح على لسان ديمتري نوفيكوف، النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما، مشيراً إلى أن روسيا تخشى أن يكون الهدف من تسليمه هو "الانتقام" وليس تحقيق العدالة، مما يضع إطاراً واضحاً لموقف الكرملين المبدئي من هذه القضية الشائكة.

تفاصيل الموقف الروسي
أوضح نوفيكوف أن المطالبة بتسليم الأسد للسلطات الجديدة في سوريا تثير قلقاً كبيراً في موسكو. وحسب وجهة نظره، فإن تسليم شخص طلب الحماية قد يؤدي إلى أعمال انتقامية بدلاً من محاكمة عادلة، وهو ما يتعارض مع المبادئ التي تلتزم بها روسيا. وألمح المسؤول الروسي إلى أن الدستور الروسي يمنع تسليم مواطنيه لدول أخرى، ورغم عدم التأكيد رسمياً، فإن هذا التصريح قد يفتح الباب أمام احتمالية منح الأسد الجنسية الروسية كغطاء قانوني يمنع أي محاولة لتسليمه في المستقبل. يعكس هذا الموقف حرص روسيا على الظهور بمظهر الحليف الوفي الذي لا يتخلى عن شركائه حتى بعد سقوطهم، وهو ما يمثل رسالة سياسية موجهة لحلفائها الآخرين حول العالم.
خلفية الأحداث وسياقها
يأتي هذا التعليق في أعقاب التطورات الدراماتيكية التي شهدتها سوريا في أوائل ديسمبر 2024، حيث أدى هجوم مفاجئ من فصائل المعارضة إلى انهيار سريع وغير متوقع لنظام الأسد الذي حكم البلاد لعقود. وعلى إثر سقوط دمشق، فر بشار الأسد وأفراد عائلته إلى موسكو، التي وفرت لهم الحماية. شكلت روسيا الداعم العسكري والسياسي الأبرز لنظام الأسد منذ تدخلها المباشر في الحرب الأهلية السورية عام 2015، وهو تدخل ساهم بشكل حاسم في بقاء نظامه ومنع سقوطه لسنوات. واليوم، تجد موسكو نفسها في موقف دقيق، حيث تسعى للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في سوريا، بما في ذلك قواعدها العسكرية، وفي الوقت نفسه عليها التعامل مع الواقع السياسي الجديد المتمثل في السلطة الانتقالية.
ردود الفعل والمطالب الدولية
لم تقتصر المطالبات بتسليم الأسد على السلطات السورية الجديدة فحسب، بل صدرت أيضاً عن منظمات حقوقية دولية ودول غربية عديدة تطالب بمحاكمته على الجرائم التي يُتهم بارتكابها خلال سنوات النزاع. وتستند هذه المطالب إلى تقارير موثقة تتهم نظامه بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم حرب. من أبرز هذه الاتهامات:
- استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في عدة مناسبات.
- ممارسة التعذيب الممنهج والإعدامات الجماعية في السجون ومراكز الاعتقال.
- شن هجمات وقصف جوي عشوائي على المناطق السكنية والأسواق والمستشفيات.
- فرض حصار وتجويع متعمد للمدنيين في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة.
الأهمية والتداعيات المحتملة
يكتسب الموقف الروسي من مصير الأسد أهمية بالغة، حيث سيكون له تأثير مباشر على مستقبل العلاقات بين روسيا والسلطة السورية الجديدة، بالإضافة إلى تأثيره على مكانة موسكو ودورها في منطقة الشرق الأوسط. إن قرارها بعدم تسليم الأسد قد يُفهم على أنه محاولة لحماية حليف سابق، ولكنه قد يعقد أيضاً جهود المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار في سوريا، إذ تصر الجهات الفاعلة الجديدة على أن تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب هو شرط أساسي لأي تسوية سياسية دائمة. وفي المقابل، يرى الكرملين أن حماية الأسد قد تكون ضرورية لمنع دوامة من العنف الانتقامي والحفاظ على قدر من الاستقرار في مرحلة انتقالية حساسة.



