ناسا تدرس خطر "نهاية الإنترنت" وتأثير عاصفة شمسية قوية على الكوكب
يسلط المجتمع العلمي، بقيادة باحثين وخبراء من وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، الضوء مجدداً على المخاطر الجسيمة التي قد تشكلها العواصف الشمسية الشديدة على البنية التحتية التكنولوجية العالمية. وتركز التحذيرات الحديثة على سيناريو يُعرف إعلامياً بـ "نهاية الإنترنت"، حيث يمكن لعاصفة شمسية بقوة غير مسبوقة أن تتسبب في انقطاع واسع النطاق للاتصالات وشبكات الكهرباء، مما قد يعيد الحضارة الإنسانية عقوداً إلى الوراء.

ما هي العواصف الشمسية وخطورتها التاريخية؟
العواصف الشمسية هي اضطرابات قوية في الغلاف المغناطيسي للأرض، تحدث نتيجة لإطلاق الشمس كميات هائلة من الطاقة والبلازما في الفضاء، وتُعرف هذه الظاهرة بالانبعاث الكتلي الإكليلي (CME). عندما تتجه هذه الانبعاثات نحو الأرض، فإنها تتفاعل مع مجالها المغناطيسي، مما يؤدي إلى ظواهر مثل الشفق القطبي، وفي الحالات القصوى، يمكن أن تسبب أضراراً بالغة للتكنولوجيا.
يعتبر "حدث كارينغتون" الذي وقع عام 1859 أقوى عاصفة مغناطيسية أرضية مسجلة في التاريخ. في ذلك الوقت، تسببت العاصفة في انهيار شبكات التلغراف في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث اشتعلت النيران في بعض أجهزة التلغراف وصُعق المشغلون. لو وقع حدث مماثل بنفس القوة اليوم، فإن اعْتِمادنا الكلي على الكهرباء والتكنولوجيا سيجعل العواقب كارثية بشكل لا يمكن تصوره.
سيناريو "نهاية الإنترنت" وتداعياته المحتملة
تركز الدراسات الحديثة، بما في ذلك الأبحاث التي حظيت باهتمام واسع من جامعة كاليفورنيا، على نقطة ضعف محددة في البنية التحتية للإنترنت العالمي: الكابلات البحرية الطويلة التي تربط القارات. على الرغم من أن كابلات الألياف الضوئية نفسها لا تتأثر بالتيارات المغناطيسية، إلا أن "مكررات الإشارة" (Repeaters) التي تُستخدم لتقوية الإشارة كل 50 إلى 150 كيلومتراً تحت سطح البحر، حساسة للغاية لهذه التيارات ويمكن أن تتعرض للتلف بشكل جماعي.
إن تعطل هذه المكررات على نطاق واسع سيؤدي إلى عزل قارات بأكملها عن شبكة الإنترنت، وقد يستغرق إصلاحها أشهراً أو حتى سنوات. التداعيات المحتملة لمثل هذا الانقطاع تشمل:
- انهيار الشبكات الكهربائية: يمكن أن تتسبب التيارات المستحثة في احتراق المحولات الرئيسية في شبكات الطاقة، مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة.
- توقف الاتصالات العالمية: سيؤدي فشل الأقمار الصناعية والكابلات البحرية إلى شل حركة الاتصالات والإنترنت.
- شلل اقتصادي عالمي: ستتوقف المعاملات المصرفية، وتنهار أسواق الأسهم، وتتعطل سلاسل التوريد والتجارة العالمية.
- تحديات مجتمعية: سيتعذر الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والخدمات الحكومية، مما قد يؤدي إلى حالة من الفوضى.
جهود ناسا والمجتمع العلمي للاستعداد
لمواجهة هذا التهديد، تقود ناسا عدة مبادرات لفهم الشمس بشكل أفضل والتنبؤ بالطقس الفضائي. يعد "مسبار باركر الشمسي" (Parker Solar Probe) أحد أبرز هذه الجهود، حيث يقترب المسبار من الشمس أكثر من أي مركبة فضائية أخرى في التاريخ، ويجمع بيانات حيوية حول كيفية توليد الرياح الشمسية والانبعاثات الكتلية الإكليلية. تهدف هذه البيانات إلى تحسين نماذج التنبؤ، مما يمنح السلطات على الأرض وقتاً كافياً، قد يمتد لأيام، لاتخاذ إجراءات وقائية مثل إيقاف تشغيل أجزاء حساسة من الشبكات الكهربائية أو وضع الأقمار الصناعية في وضع آمن.
تزامناً مع ذلك، يدعو العلماء إلى ضرورة تعزيز البنية التحتية العالمية لتكون أكثر مقاومة للعواصف الشمسية، بما في ذلك تطوير مكررات إشارة ومحولات طاقة قادرة على تحمل التيارات الجيومغناطيسية الشديدة. ومن المتوقع أن تصل الدورة الشمسية الحالية، المعروفة بالدورة الشمسية 25، إلى ذروة نشاطها حوالي عام 2025، مما يزيد من احتمالية حدوث عواصف قوية في المستقبل القريب.





