نظام تحدي المدربين: مقاربة الفيفا لتبسيط تقنية الفار في بطولات الشباب
شهدت بطولات الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) للشباب مؤخرًا تطبيق نظام مراجعة فيديو مبتكر يُعرف بـ «تحدي المدربين»، وهو يمثل نسخة مبسطة وعملية لتقنية حكم الفيديو المساعد (VAR) المعروفة. يهدف هذا التوجه إلى دمج التكنولوجيا في التحكيم دون التعقيدات اللوجستية والمالية المرتبطة بنظام الفار الكامل، مما يجعله مناسبًا بشكل خاص للبطولات التي تُعد منصة لتطوير المواهب الكروية. وقد جرى تفعيل هذا النظام في عدة فعاليات كروية، أبرزها كأس العالم تحت 20 عامًا 2023 في الأرجنتين، وكأس العالم تحت 17 عامًا 2023 في إندونيسيا، لتقييم مدى فعاليته وتأثيره على مجريات اللعب.

خلفية عن تقنية الفار وتطورها
تُعد تقنية حكم الفيديو المساعد (VAR) ثورة في عالم كرة القدم، حيث تم إدخالها بهدف تقليل الأخطاء التحكيمية «الواضحة والصارخة» في اللحظات الحاسمة من المباريات. يعتمد نظام الفار التقليدي على فريق من الحكام يجلسون في غرفة عمليات مركزية ويراقبون المباراة عبر شاشات متعددة، ويقومون بتنبيه الحكم الرئيسي في حال وجود خطأ كبير. ورغم نجاح الفار في تصحيح العديد من الأخطاء، إلا أنه واجه انتقادات بشأن:
- تباطؤ اللعب: تستغرق مراجعة بعض الحالات وقتًا طويلًا، مما يقطع الإيقاع الطبيعي للمباراة.
- التكلفة العالية: يتطلب الفار بنية تحتية تقنية وبشرية مكلفة، مما يجعله صعب التطبيق في البطولات الأقل ميزانية.
- تعقيدات التشغيل: يحتاج إلى بروتوكولات صارمة وتدريب مكثف للحكام والمشغلين.
نظرًا لهذه التحديات، وخاصة الرغبة في تعميم الاستفادة من التكنولوجيا في مختلف المستويات الكروية، سعت الفيفا إلى تطوير حلول بديلة تكون أكثر مرونة وأقل تكلفة، و«نظام تحدي المدربين» هو أحد هذه الحلول الواعدة.
نظام تحدي المدربين: آلية العمل والتفاصيل
يمثل نظام تحدي المدربين مقاربة مختلفة تمامًا عن الفار التقليدي، حيث يمنح المدربين صلاحية بدء عملية المراجعة في حالات معينة. تفاصيل هذا النظام كالتالي:
- عدد التحديات المسموح بها: يُمنح كل فريق عددًا محدودًا من التحديات في المباراة الواحدة (عادة ما يكون تحديين).
- المبادرة من المدرب: يجب على المدرب الذي يرغب في مراجعة قرار تحكيمي أن يشير بوضوح لرغبته في ذلك، غالبًا عبر لافتة خاصة أو إشارة محددة.
- مراجعة الحكم على الشاشة: عند قبول التحدي، يتوجه الحكم الرئيسي إلى شاشة المراجعة على جانب الملعب (RRA - Referee Review Area) لمشاهدة الإعادة واتخاذ القرار النهائي.
- الحالات القابلة للتحدي: يركز النظام على الحالات الجوهرية التي قد تغير مجرى المباراة، وتشمل:
- القرارات المتعلقة بـ الأهداف (مثل وجود تسلل أو خطأ قبل تسجيل الهدف).
- قرارات ركلات الجزاء.
- قرارات البطاقات الحمراء المباشرة.
- حالات الخطأ في تحديد هوية اللاعب الذي ارتكب المخالفة.
- الاحتفاظ بالتحدي: إذا أسفر التحدي عن تغيير في القرار الأصلي للحكم (أي كان التحدي ناجحًا)، فإن الفريق يحتفظ بحقه في استخدام تحدٍ آخر. أما إذا تم تأييد قرار الحكم الأصلي (كان التحدي غير ناجح)، يخسر الفريق أحد تحدياته المتبقية.
يختلف هذا النظام جوهريًا عن الفار الكامل في كونه نظامًا «عند الطلب» يُفعّل بمبادرة من الفرق، وليس نظام مراقبة مستمرًا من قبل غرفة عمليات خارجية. هذا يقلل من عدد التوقفات غير الضرورية ويمنح المدربين دورًا أكبر في عملية المراجعة.
تطبيقات حديثة وتقييمات أولية
بدأ تطبيق نظام تحدي المدربين في منتصف عام 2023 خلال كأس العالم تحت 20 عامًا في الأرجنتين، ثم استمر في أواخر عام 2023 في كأس العالم تحت 17 عامًا بإندونيسيا. جاءت هذه البطولات بمثابة مختبرات حية لتقييم فعالية النظام وتحديد جوانب التحسين.
أظهرت التقييمات الأولية أن النظام قادر على تصحيح الأخطاء التحكيمية الحاسمة في بعض اللحظات. فقد استخدم المدربون تحدياتهم لتغيير قرارات تتعلق بضربات جزاء أو أهداف ملغاة، مما عزز من مبدأ العدالة في المباريات. ومع ذلك، ظهرت بعض الملاحظات والتساؤلات حول كيفية استغلال المدربين للتحديات تكتيكيًا، وأثر ذلك على ديناميكية اللعب. وقد أشار بعض المحللين إلى أنه على الرغم من تبسيطه، إلا أنه يتطلب من المدربين اتخاذ قرارات سريعة ودقيقة بشأن متى وكيف يستخدمون تحدياتهم الثمينة.
أهمية النظام وتبعاته
تتمثل أهمية نظام تحدي المدربين في عدة جوانب:
- تعزيز اللعب النظيف: يضمن النظام أن القرارات المصيرية يتم مراجعتها، مما يقلل من فرص الظلم ويساهم في تحقيق نتائج عادلة، وهو أمر حيوي بشكل خاص في بطولات الشباب حيث يتم تشكيل أخلاقيات اللعب.
- إعداد اللاعبين والحكام للمستقبل: يعتاد اللاعبون الشباب على فكرة المراجعات التكنولوجية، مما يهيئهم للمستويات الأعلى حيث يُطبق الفار بالكامل. كما يمنح الحكام خبرة في التعامل مع مراجعات الفيديو في سياق مختلف.
- حل فعال من حيث التكلفة: يقدم هذا النظام حلًا عمليًا للبطولات التي لا تستطيع تحمل التكلفة الباهظة لتطبيق الفار الكامل، مما يوسع نطاق الاستفادة من التكنولوجيا في كرة القدم.
- تطوير التكنولوجيا الكروية: يعكس النظام التزام الفيفا المستمر بالبحث والتطوير لدمج التكنولوجيا بطرق تخدم اللعبة وتناسب سياقاتها المختلفة، مع الحفاظ على روح اللعبة وسرعة إيقاعها.
في الختام، يُعد نظام تحدي المدربين خطوة استراتيجية من الفيفا نحو توفير حلول تكنولوجية مرنة ومكيفة لبطولات كرة القدم المتنوعة. وبينما لا يزال النظام في مراحله التجريبية ويتطلب المزيد من التقييم والتحسين، فإنه يقدم نموذجًا واعدًا لتوسيع نطاق العدالة التحكيمية في المستويات الدنيا للعبة، ويفتح الباب أمام تطبيق حلول تقنية مبتكرة توازن بين الدقة التحكيمية ومتطلبات اللعبة الحديثة.





