وزير العمل يؤكد على قفزة نوعية مستمرة في منظومة التعليم الفني والتكنولوجي
في تصريحات حديثة تعكس الرؤية الحكومية الطموحة لتطوير الموارد البشرية، أكد محمد جبران، وزير العمل، على التقدم الكبير والمستمر الذي يشهده قطاع التعليم الفني والتكنولوجي في مصر. جاءت هذه التصريحات في سياق تسليط الضوء على الجهود المكثفة التي تبذلها الدولة لرفع كفاءة الخريجين وتلبية المتطلبات المتغيرة لسوق العمل، وهي رؤية تتجسد في مبادرات رئيسية تهدف إلى تنظيم وتحسين جودة التدريب المهني في كافة أنحاء البلاد.

خلفية وتفاصيل إطلاق معايير "إتقان"
أشاد الوزير بشكل خاص بإطلاق معايير الاعتماد والجودة الوطنية تحت مسمى "إتقان"، واصفاً إياها بالخطوة المحورية نحو تحقيق حلم طال انتظاره بتنظيم شامل ودقيق لمجال التدريب المهني داخل مصر. تمثل معايير "إتقان" إطاراً وطنياً شاملاً للجودة يهدف إلى ضمان أن جميع برامج التدريب المقدمة في مصر تلبي أعلى المستويات والمعايير الدولية. هذا يضمن جودة المحتوى التعليمي، وكفاءة المؤهلين للتدريب، والبنية التحتية للمراكز التدريبية. لا تقتصر أهمية هذا الإطار على كونه مجموعة من القواعد المنظمة، بل هو أساس استراتيجي لبناء الثقة في مخرجات التعليم الفني والتكنولوجي، مما يجعله أكثر جاذبية للشباب ويضمن تلبية احتياجات الصناعة المتطورة. ويُعد إطلاق هذه المعايير استجابة مباشرة للحاجة الملحة لسد الفجوة بين المهارات التي يمتلكها الخريجون وتلك التي يتطلبها سوق العمل المتطور، خاصة في القطاعات الحيوية التي تشهد نمواً سريعاً كالتحول الرقمي والطاقة المتجددة.
تنظيم مراكز التدريب وتوحيد المعايير
ضمن رؤيته الطموحة لتنظيم القطاع وتوحيد الجهود، أشار محمد جبران إلى أن عملية "توفيق الأوضاع" ستشمل جميع المراكز التي تقدم التدريب المهني في مصر. هذا يعني أن كل مركز تدريبي، سواء كان حكومياً أو خاصاً أو تابعاً للقطاع الأهلي، سيخضع لتقييم شامل لمدى توافقه مع معايير "إتقان". الهدف من هذه الخطوة هو ضمان جودة متسقة عبر جميع المؤسسات التدريبية، والقضاء على أي مراكز تقدم تدريباً دون المستوى المطلوب أو غير معتمد. تتضمن عملية توفيق الأوضاع مراجعة دقيقة للمناهج الدراسية، وتقييم كفاءة المدربين، والتأكد من سلامة البيئة التدريبية، ومدى ارتباط البرامج بالمتطلبات الفعلية لسوق العمل المتغير ديناميكياً.
يعد هذا الإجراء حاسماً لعدة أسباب؛ فهو لا يضمن فقط حصول المتدربين على تعليم ذي جودة عالية يفتح لهم آفاقاً مهنية أفضل، بل يعزز أيضاً سمعة التعليم الفني والتكنولوجي ككل في المجتمع، ويضفي عليه طابع الجدية والاحترافية التي يستحقها.
- ضمان جودة التدريب: توحيد المعايير يرفع بشكل كبير من مستوى التعليم والتدريب المهني المقدم.
- زيادة الثقة: يطمئن أصحاب الأعمال والمتدربين على جودة الشهادات والمهارات المكتسبة.
- مكافحة التدريب غير المرخص: يحد من انتشار المراكز التي تعمل خارج الإطار القانوني ومعايير الجودة.
- دعم التنافسية: يساعد على تخريج عمالة مدربة ومؤهلة قادرة على المنافسة في الأسواق المحلية والإقليمية والدولية.
تغيير الصورة النمطية للتعليم الفني
لم تقتصر تصريحات وزير العمل على الجوانب التنظيمية والفنية فحسب، بل امتدت لتلامس أحد أهم التحديات الاجتماعية التي تواجه التعليم الفني في مصر؛ ألا وهو الصورة النمطية السلبية السائدة لدى الأسر والمجتمع. أكد الوزير على ضرورة إحداث "تغيير فكر" جوهري لدى الأسر حول التعليم الفني والتكنولوجي. تاريخياً، كان يُنظر إلى هذا النوع من التعليم على أنه خيار لمن لم يتمكنوا من الالتحاق بالتعليم الأكاديمي التقليدي، مما أدى إلى عزوف الكثير من الطلاب وأولياء الأمور عنه، وحرم المجتمع من طاقات كامنة.
لكن الواقع الحالي وسوق العمل العالمي والمحلي المتغير يبرهن على عكس ذلك تماماً. فالتعليم الفني والتكنولوجي لم يعد مجرد مسار بديل، بل أصبح مساراً استراتيجياً يوفر فرصاً وظيفية واعدة ومستقرة، خاصة في مجالات تتطلب مهارات متخصصة ومطلوبة بشدة مثل الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والصيانة الصناعية المتقدمة، والتكنولوجيا الرقمية، ومجالات الإنتاج الحديثة. تغيير هذه النظرة يتطلب حملات توعية مكثفة تسلط الضوء على قصص النجاح الملهمة لخريجي التعليم الفني، وتوضح الفرص المهنية المتاحة، وتبين كيف أن هذا المسار يمكن أن يؤدي إلى رواتب مجزية وتطور وظيفي مستمر، ويساهم بشكل مباشر في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. إن إقناع الأسر بأن التعليم الفني هو استثمار حقيقي ومجزي في مستقبل أبنائهم هو مفتاح لزيادة الإقبال عليه وتحقيق أقصى استفادة من الإصلاحات الجارية.
أهمية التطور المستمر وآفاق المستقبل
في ختام حديثه، شدد الوزير على أن التطور الكبير الذي يشهده التعليم الفني والتكنولوجي ليس حدثاً عرضياً، بل هو عملية مستمرة ودائمة، تُدار بخطى ثابتة ورؤية واضحة. هذا التطور يشمل تحديث المناهج بشكل دوري لتتواكب مع أحدث التقنيات العالمية ومتطلبات الثورات الصناعية، وتزويد المعامل والورش بأحدث المعدات والأجهزة الحديثة، وتدريب الكوادر التعليمية والإدارية على أساليب التدريس المبتكرة وأفضل الممارسات العالمية. تهدف هذه الجهود المستمرة والمتواصلة إلى إعداد جيل من الكفاءات الشابة المدربة والمؤهلة والقادرة على قيادة قاطرة التنمية الصناعية والتكنولوجية في مصر، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الخبرات الفنية.
يُعتبر هذا المسار التنموي حجر الزاوية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، التي ترتكز على بناء اقتصاد متنوع ومستدام يعتمد على المعرفة والابتكار والإنتاجية العالية. فالقوى العاملة المدربة والمؤهلة هي المحرك الأساسي لأي نمو اقتصادي حقيقي ومستدام. من خلال الاستثمار في التعليم الفني والتكنولوجي، لا تضمن مصر فقط توفير فرص عمل لائقة وكريمة للشباب، بل تضمن أيضاً بناء قاعدة صناعية قوية قادرة على المنافسة عالمياً وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي تحقيق الازدهار والرفاهية لجميع المواطنين.
إن تصريحات وزير العمل تعكس التزاماً حكومياً راسخاً بتحويل التعليم الفني والتكنولوجي إلى ركيزة أساسية للتنمية الشاملة في مصر، من خلال تنظيم صارم للجودة، وتحديث مستمر للمحتوى، وتغيير جذري في النظرة المجتمعية، مما يبشر بمستقبل واعد لخريجي هذا القطاع الحيوي ومستقبل مزدهر للوطن ككل.



