هيئة الأفلام تختتم مؤتمر النقد السينمائي الدولي في الرياض بشعار "السينما.. فنّ المكان"

اختتمت هيئة الأفلام السعودية فعاليات المحطة الأخيرة من مؤتمر النقد السينمائي الدولي المرموق، وذلك يوم السبت الموافق 01 نوفمبر 2025، في العاصمة الرياض. جاء المؤتمر، الذي شهد حضوراً واسعاً من النقاد والأكاديميين والمهتمين بالصناعة السينمائية، تحت شعار «السينما.. فنّ المكان»، ليقدم منصة فريدة لتعميق الحوار حول الدور الجوهري للمكان في السرد البصري وتحليل الأفلام. وقد شكلت هذه الفعالية الختامية تتويجاً لسلسلة من اللقاءات والنقاشات التي أثرت المشهد الثقافي والسينمائي، مؤكدة على التزام المملكة بتطوير صناعة سينمائية ناضجة ومستنيرة بالنقد الجاد.

السياق والخلفية

يأتي تنظيم هذا المؤتمر ضمن الجهود المتواصلة التي تبذلها هيئة الأفلام، إحدى الهيئات التابعة لوزارة الثقافة السعودية، لتعزيز الحراك الثقافي والفني في المملكة، وتحديداً في قطاع السينما الذي يشهد نمواً متسارعاً. ويُعد دعم النقد السينمائي جزءاً لا يتجزأ من هذه الاستراتيجية، حيث تسعى الهيئة إلى بناء أسس قوية لصناعة سينمائية لا تكتفي بالإنتاج، بل ترتقي بمستوى الوعي الفني والثقافي لدى الجمهور والمبدعين على حد سواء. وقد أطلقت الهيئة هذا المؤتمر الدولي ضمن رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتنمية القطاعات غير النفطية، بما في ذلك الثقافة والفنون، وتأكيد مكانة المملكة كمركز إقليمي ودولي للإبداع.

لم يكن مؤتمر الرياض المحطة الوحيدة، بل مثّل تتويجاً لمسيرة امتدت عبر مراحل سابقة، سعت خلالها هيئة الأفلام إلى إشراك فئات متنوعة من المهتمين بالسينما والنقد على مستوى أوسع. هذه السلسلة من المؤتمرات تُبرز التزام المملكة بتأسيس بنية تحتية فكرية وعلمية للسينما، قادرة على استيعاب التطورات العالمية وتقديم إسهامات أصيلة. كما أنها تعكس الاهتمام المتزايد بتطوير الكوادر الوطنية في مجال النقد السينمائي، الذي يُعد ركيزة أساسية لتشكيل الذائقة الفنية وتوجيه مسارات الصناعة نحو إنتاج أعمال ذات قيمة فنية وفكرية عميقة.

الأهداف والمحاور الرئيسية

هدف مؤتمر النقد السينمائي الدولي، في محطته الختامية بالرياض، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي تصب في مصلحة تطوير المشهد السينمائي. ومن أبرز هذه الأهداف:

تعزيز ثقافة النقد السينمائي: من خلال إثراء النقاشات وتقديم رؤى نقدية معمقة تسهم في رفع مستوى الوعي بأهمية النقد كجزء لا يتجزأ من العملية الإبداعية.
ربط النقد بالصناعة: بناء جسور بين الأكاديميين والنقاد من جهة، وصناع الأفلام والجمهور من جهة أخرى، لضمان تأثير متبادل ومثمر.
استقطاب الخبرات العالمية: جلب كبار النقاد والأكاديميين السينمائيين من مختلف أنحاء العالم لتبادل الخبرات والمعارف مع نظرائهم السعوديين والخليجيين.
تنمية المواهب المحلية: توفير فرص للشباب السعودي والمهتمين بالسينما للتعلم والتفاعل مع الخبراء، وصقل مهاراتهم في التحليل والنقد.
مناقشة التحديات والفرص: تسليط الضوء على أبرز التحديات التي تواجه النقد السينمائي في العصر الرقمي، واستكشاف الفرص الجديدة التي تتيحها التقنيات الحديثة.

وقد تنوعت فعاليات المؤتمر لتشمل جلسات حوارية، ورش عمل متخصصة، محاضرات رئيسية، وعروض أفلام مصحوبة بنقاشات نقدية. وشهدت هذه الجلسات مشاركة نخبة من الأسماء اللامعة في مجال النقد السينمائي، من داخل المملكة وخارجها، ممن قدموا تحليلات معمقة ورؤى جديدة حول العلاقة بين المكان والسينما، وتأثير ذلك على الرسالة الفنية للأفلام.

محور "السينما.. فنّ المكان"

تمركزت النقاشات والمحاضرات بشكل رئيسي حول الشعار المحوري للمؤتمر، «السينما.. فنّ المكان». هذا الشعار لم يكن مجرد عبارة جاذبة، بل كان دعوة للتأمل في العلاقة العميقة والمعقدة بين البيئة الجغرافية، الثقافية، وحتى النفسية، وتأثيرها على العمل السينمائي. وقد تناولت المحاور التالية هذا المفهوم بالتفصيل:

المكان كشخصية: كيف يمكن للمكان أن يتجاوز كونه مجرد خلفية للأحداث ليصبح عنصراً فاعلاً يؤثر في تطور الشخصيات ويشكل مسار السرد.
الهوية الثقافية والمكان: استكشاف كيفية تجسيد الأفلام للهويات الثقافية المتعددة للمكان، سواء كانت حضرية أو ريفية أو تاريخية، وكيف تعكس هذه الهويات قصصاً ورؤى فريدة.
الجماليات البصرية للمكان: تحليل كيفية توظيف المخرجين للعناصر المعمارية والطبيعية والبيئية لخلق جماليات بصرية تعمق المعنى وتثري التجربة المشاهدة.
المكان والتأثير النفسي: مناقشة كيف يمكن للأماكن أن تثير مشاعر معينة وتؤثر على الحالة النفسية للشخصيات والجمهور، من خلال تصميم الإنتاج والتصوير السينمائي.
السينما السعودية والمكان: تركيز خاص على كيفية تمثيل السينما السعودية لخصوصية المكان السعودي، سواء كان صحراء مترامية الأطراف، أو مدناً تاريخية، أو حواضر حديثة، وكيف يسهم ذلك في صياغة هوية سينمائية وطنية مميزة.

وقد أجمع المشاركون على أن فهم «المكان» ليس مجرد تفصيل تقني، بل هو مفتاح لتحليل طبقات المعنى العميقة في أي عمل سينمائي، وخصوصاً في سياق يبرز فيه التنوع الجغرافي والثقافي للمملكة العربية السعودية.

الأثر والأهمية

يمثل اختتام مؤتمر النقد السينمائي الدولي بالرياض علامة فارقة في مسيرة التطور الثقافي بالمملكة. فالمؤتمر لم يكتفِ بتقديم منصة للنقاش الأكاديمي، بل أسهم في:

إثراء الحركة النقدية: عبر تحفيز جيل جديد من النقاد السعوديين لتبني أدوات تحليلية متقدمة ورؤى نقدية مبتكرة.
دعم صناعة المحتوى المحلي: بتزويد صناع الأفلام المحليين بمنظور نقدي يساعدهم على تطوير أعمالهم ورفع مستواها الفني والتقني.
تعزيز التبادل الثقافي: من خلال استضافة خبراء عالميين، مما فتح آفاقاً جديدة للتعاون وتبادل الأفكار بين الثقافات المختلفة.
تأكيد مكانة المملكة: كمركز ثقافي وفني ناشئ في المنطقة، قادر على استضافة وتنظيم فعاليات دولية رفيعة المستوى تخدم قضايا الفن والثقافة.

إن استمرارية مثل هذه المبادرات من قبل هيئة الأفلام تؤكد على رؤية طويلة الأمد لتحويل المشهد السينمائي في المملكة إلى قوة دافعة للإبداع والمعرفة، وبناء جسر للتواصل الحضاري عبر لغة السينما العالمية. هذه الجهود لا تقتصر على دعم إنتاج الأفلام فحسب، بل تمتد لتشمل كافة عناصر المنظومة السينمائية، من النقد والتعليم إلى التوزيع والعرض، مما يضمن نمواً مستداماً وشاملاً لهذا القطاع الحيوي.

في الختام، يُعد نجاح المحطة الأخيرة من مؤتمر النقد السينمائي الدولي بشعار «السينما.. فنّ المكان» دليلاً على التزام هيئة الأفلام الراسخ بتعزيز الحوار الفكري حول السينما، والارتقاء بمسيرة الفن السابع في المملكة، مما يمهد الطريق لمستقبل سينمائي مشرق يعكس الطموحات الكبيرة لرؤية السعودية 2030.