ياسر جلال يكشف تفاصيل تصريحاته التاريخية المثيرة للجدل في مهرجان وهران السينمائي الدولي
شهدت الأوساط الفنية والثقافية، خاصة في الجزائر ومصر، جدلاً واسعاً في أوائل أكتوبر 2023، على خلفية تصريحات أدلى بها الفنان المصري ياسر جلال خلال مشاركته في فعاليات مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي. هذه التصريحات، التي تطرقت إلى الجانب التاريخي للعلاقات المصرية الجزائرية ودور مصر في دعم الثورة الجزائرية، أثارت ردود فعل متباينة، مما دفع جلال إلى إصدار توضيح لموقفه.

خلفية الجدل وتصريحات جلال الأولية
اندلع الجدل عندما تحدث ياسر جلال، أثناء ندوة أو ورشة عمل أقيمت ضمن فعاليات المهرجان بوهران، عن تاريخ الدعم المصري للثورة الجزائرية المجيدة. وفقاً لتقارير إعلامية وتصريحات متداولة، استند جلال في حديثه إلى روايات شخصية نقلها له والده الراحل، المخرج واللواء أحمد جلال. تضمنت تصريحاته إشارات إلى أن مصر كانت ملاذاً للقادة الجزائريين، وأن ضباطاً مصريين قاموا بتدريب المقاتلين الجزائريين، مؤكداً على الدور المحوري الذي لعبته مصر في مراحل مختلفة من الكفاح الجزائري لنيل الاستقلال. وقد فهم البعض هذه التصريحات على أنها تبالغ في الدور المصري أو تقلل من حجم التضحيات الجزائرية الذاتية وتنوع الدعم الدولي الذي حظيت به الثورة.
اعتبرت هذه التصريحات من قبل شريحة واسعة من الجمهور الجزائري، والمؤرخين، وبعض المثقفين، بمثابة تحريف للحقائق التاريخية أو تهميش للجهود الجبارة التي بذلها الشعب الجزائري على مدى سنوات طويلة من أجل التحرير. رأى المنتقدون أن الثورة الجزائرية كانت نتاج تضحيات جسام للشعب الجزائري، وأن الدعم الدولي، وإن كان مهماً، لم يكن مقتصراً على جهة واحدة أو يقلل من البطولة الجزائرية الخالصة.
موجة الانتقادات وردود الفعل الغاضبة
عقب انتشار مقاطع الفيديو وتداول الأقوال المنسوبة لياسر جلال، شهدت منصات التواصل الاجتماعي الجزائرية حملة واسعة من الانتقادات، حيث عبر عدد كبير من المستخدمين عن استيائهم وغضبهم. طالب البعض بضرورة مراجعة هذه الروايات التاريخية، مؤكدين على أهمية الدقة والمسؤولية عند تناول قضايا حساسة تتعلق بالسيادة الوطنية والذاكرة الجماعية للشعوب. تصاعدت حدة هذه الانتقادات لتتحول إلى دعوات تطالب الفنان المصري بتقديم اعتذار أو توضيح شامل يصحح ما اعتبروه مغالطات تاريخية. وكان جوهر الاعتراض يتركز على فكرة أن تاريخ الثورة الجزائرية ملك للشعب الجزائري، ويجب أن يتم ترويجه بناءً على الحقائق الموثقة وليس على روايات شخصية قد تحمل تأويلاً خاصاً.
توضيح ياسر جلال وموقفه الرسمي
لم يتأخر ياسر جلال في الرد على هذه الانتقادات المتصاعدة. ففي بيان توضيحي، أكد الفنان المصري أن الغرض من حديثه لم يكن الإساءة إلى تاريخ الجزائر أو التقليل من حجم تضحياتها. وأوضح أن كلمته كانت تعبيراً عن وجهة نظر شخصية مستندة إلى ما سمعه من والده، الذي كان بدوره شاهد عيان على بعض الأحداث أو مطلعاً على تفاصيل معينة من خلال عمله. جلال شدد على أن تصريحاته لم تكن تهدف إلى تقديم سرد تاريخي رسمي أو أكاديمي، بل كانت محاولة لتسليط الضوء على عمق العلاقة الأخوية والتاريخ المشترك بين البلدين الشقيقين، مصر والجزائر. كما أعرب عن أسفه الشديد إذا كانت كلماته قد أُسيء فهمها أو تسببت في أي إزعاج أو جرح لمشاعر الإخوة الجزائريين، مؤكداً على احترامه المطلق لتاريخ الجزائر وشعبها العظيم وتضحياته من أجل الحرية والاستقلال.
أعاد ياسر جلال التأكيد على اعتزازه بالروابط المتينة التي تجمع بين مصر والجزائر، مشيراً إلى أن العلاقات بين الشعبين تتجاوز أي خلافات أو سوء فهم عابر. وشدد على أن تاريخ الثورة الجزائرية هو تاريخ مشرف وملهم، وأن الشعب الجزائري قدم أعظم التضحيات لنيل حريته، وهو ما يحظى بتقدير كبير في مصر والعالم العربي بأسره.
أهمية الحدث وتداعياته
تبرز هذه الحادثة أهمية الوعي التاريخي والحذر الشديد عند تناول القضايا الحساسة المتعلقة بالذاكرة الوطنية للشعوب، خاصة في المحافل الدولية والثقافية. إنها تذكير بأن الروايات التاريخية، حتى وإن كانت مستندة إلى مصادر شخصية، قد تُفسر بطرق مختلفة وتثير ردود فعل قوية، خصوصاً عندما تتعلق بتاريخ النضال والسيادة. كما أنها تسلط الضوء على مسؤولية الشخصيات العامة والفنانين في اختيار الكلمات والمصطلحات عند الحديث عن قضايا تتجاوز السياق الفني البحت. المهرجانات الثقافية، مثل مهرجان وهران، تهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي والفني، ولكنها قد تصبح أيضاً ساحة للنقاش حول التاريخ والهوية، مما يستدعي نهجاً دبلوماسياً وحساساً لضمان تحقيق أهدافها السامية في التقريب بين الشعوب.
على الرغم من الجدل الذي أثير، فإن توضيح الفنان ياسر جلال ساهم في تهدئة الأجواء وإعادة التأكيد على عمق العلاقات المصرية الجزائرية، والتي يرى الكثيرون أنها أكبر من أن تتأثر بسوء فهم عابر. هذه الواقعة تعزز ضرورة الحوار البناء واحترام التنوع في الروايات التاريخية، مع التأكيد على الحقائق الجوهرية التي لا لبس فيها.





