ترند البروتين المفرط: موضة جديدة تخفي تهديداً لجهازك العصبي؟

في الآونة الأخيرة، تصدرت الحميات الغذائية الغنية بالبروتين قوائم الأنظمة الرائجة، مدفوعة بوعد بناء العضلات السريع، وفقدان الوزن الفعال، والشعور بالشبع لفترات طويلة. وبينما يُعتبر البروتين عنصراً غذائياً أساسياً لا غنى عنه لصحة الجسم، تبرز تحذيرات متزايدة من مخاطر الإفراط في تناوله، لا سيما على الجهاز العصبي، مما يضع علامات استفهام حول ما إذا كانت هذه الموضة الصحية الظاهرية قد تخفي أضراراً جسيمة طويلة المدى.

خلفية: صعود نجم البروتين

لطالما حظي البروتين بتقدير كبير لدوره الحيوي في بناء وإصلاح الأنسجة، وإنتاج الإنزيمات والهرمونات، ودعم وظيفة المناعة. وقد أدت الحميات التي تركز على البروتين، مثل الكيتو والباليو، إلى زيادة كبيرة في استهلاكه. يعتقد كثيرون أن زيادة البروتين تعني بالضرورة زيادة الفوائد، خصوصاً بين الرياضيين وراغبي فقدان الوزن الذين يسعون للحفاظ على الكتلة العضلية أو زيادتها. لكن، مثل أي عنصر غذائي، هناك حد أقصى للكمية التي يستطيع الجسم التعامل معها بفعالية وأمان.

الجانب المظلم: متى يصبح البروتين تهديداً؟

توصي المنظمات الصحية عادةً بتناول حوالي 0.8 جرام من البروتين لكل كيلوجرام من وزن الجسم يومياً للشخص البالغ العادي، وترتفع هذه النسبة قليلاً للرياضيين أو كبار السن. ومع ذلك، تشير الدراسات والتحليلات الحديثة إلى أن تجاوز هذه الكميات بشكل مفرط (عادةً فوق 2 جرام/كجم يومياً لفترات طويلة) يمكن أن يؤدي إلى آثار جانبية خطيرة. فالجسم ليس مصمماً للتعامل مع كميات هائلة من البروتين باستمرار، مما يضع ضغطاً كبيراً على أعضائه الداخلية.

إجهاد الكلى والكبد: تعتبر الكلى مسؤولة عن تصفية الفضلات الناتجة عن تكسير البروتين، مثل اليوريا. الإفراط في البروتين يزيد من حمل العمل على الكلى، مما قد يؤدي إلى تلفها على المدى الطويل، ويزيد أيضاً من العبء على الكبد في معالجة الأمونيا.
مشاكل الجهاز الهضمي: قد يسبب النظام الغذائي عالي البروتين ومنخفض الألياف الإمساك ومشاكل هضمية أخرى.
اضطرابات صحية أخرى: يمكن أن يؤدي الإفراط في البروتين، خاصة إذا كان مصدراً للدهون المشبعة، إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب وبعض أنواع السرطان. كما أن هناك مخاوف بشأن تأثيره على صحة العظام وتوازن الكالسيوم في الجسم.

التركيز على الجهاز العصبي: تهديد خفي

تعتبر التأثيرات السلبية على الجهاز العصبي من أخطر الجوانب التي قد تنجم عن الإفراط في تناول البروتين، وغالباً ما يتم تجاهلها. تحدث هذه التأثيرات عبر عدة آليات:

تراكم الأمونيا: عندما يتم تكسير البروتين، تنتج الأمونيا. الكبد يقوم بتحويل الأمونيا إلى يوريا أقل سمية ليتم إخراجها عبر الكلى. ولكن، مع الحمل الزائد من البروتين، أو في حالات ضعف وظائف الكبد، قد تتراكم الأمونيا في الدم وتصل إلى الدماغ. تعتبر الأمونيا مادة سمية عصبية يمكن أن تسبب أعراضاً مثل الارتباك، التعب، الصداع، وفي الحالات الشديدة، الاعتلال الدماغي.
اختلال توازن الأحماض الأمينية: التناول المفرط لنوع معين من الأحماض الأمينية يمكن أن يؤثر على امتصاص أنواع أخرى وتوازنها في الدماغ، مما يؤثر على إنتاج النواقل العصبية (مثل السيروتونين والدوبامين)، والتي تلعب دوراً حاسماً في المزاج، النوم، والوظائف المعرفية.
التأثيرات غير المباشرة: الإجهاد المزمن على الكلى والكبد الناتج عن الإفراط في البروتين يؤدي إلى تراكم السموم في الجسم، والتي يمكن أن تؤثر بشكل غير مباشر على وظائف الدماغ والجهاز العصبي، مسببة ضبابية الدماغ، صعوبة التركيز، وتقلبات المزاج. كما أن الجفاف الذي قد يصاحب الحميات عالية البروتين يمكن أن يؤثر سلباً على الوظائف العصبية.

هذه المخاطر ليست نظرية؛ ففي السنوات الأخيرة، تم توثيق حالات أظهرت ارتباطاً بين الأنظمة الغذائية القاسية عالية البروتين وظهور أعراض عصبية غير مبررة، ما يستدعي مزيداً من البحث والوعي.

توصيات الخبراء والوعي العام

يحذر خبراء التغذية والأطباء باستمرار من مخاطر اتباع الحميات الغذائية المتطرفة دون إشراف طبي أو تغذوي. يؤكدون على أهمية الاعتدال والتوازن في النظام الغذائي، وضرورة تلبية الاحتياجات البروتينية من مصادر متنوعة وصحية، مع التأكيد على أهمية الألياف والفيتامينات والمعادن الأخرى.

تُعد النصيحة الطبية الشخصية أمراً حاسماً، خاصة للأشخاص الذين يعانون من حالات صحية موجودة مسبقاً، مثل أمراض الكلى أو الكبد. إن فهم جسمك والاستماع إلى إشاراته، بدلاً من الانسياق وراء الترندات الغذائية، هو المفتاح للحفاظ على صحة الجهاز العصبي والعافية العامة.

أهمية الفهم الشامل

في عالم مليء بالمعلومات الغذائية المتضاربة، من الضروري تبني نهج نقدي ومستنير تجاه الترندات الصحية. إن البروتين، في الكميات المناسبة، هو حليف قوي للصحة، لكن عندما يتحول إلى “بروتين مفرط”، فإنه يتحول إلى تهديد صامت قد يقوض أسس صحتنا العصبية والبدنية دون أن ندري. هذا يبرز الحاجة الماسة إلى التثقيف الصحي والاعتماد على المصادر الموثوقة لتجنب الوقوع في فخ الممارسات الغذائية التي قد تحمل مخاطر خفية.