يوتيوب تزيل 700 مقطع فيديو موثّق لانتهاكات الجيش الإسرائيلي
في خطوة أثارت جدلاً واسعًا، قامت منصة مشاركة الفيديو الشهيرة يوتيوب بإزالة حوالي 700 مقطع فيديو توثّق انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان نفذها الجيش الإسرائيلي. جاء هذا الإجراء، الذي كشف عنه تقرير صادر عن “ذي إنترسبت” (The Intercept) في أواخر عام 2023، في أعقاب قرار سابق للمنصة بحذف حسابات ثلاث مجموعات حقوقية فلسطينية بارزة كانت تعمل على توثيق هذه الأحداث ونشرها. تسلط هذه القضية الضوء على التعقيدات المحيطة بإدارة المحتوى في مناطق النزاع، وتأثير سياسات المنصات الرقمية على توثيق الانتهاكات والإبلاغ عنها.

خلفية الأحداث وسياقها
لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بؤرة للتوترات الشديدة والانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان، والتي تتطلب توثيقًا دقيقًا ومستمرًا. في ظل التغطية الإعلامية التي قد تكون محدودة أو متحيزة أحيانًا، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ومواقع مشاركة الفيديو مثل يوتيوب أدوات حيوية للمواطنين والنشطاء الحقوقيين لتوثيق الأحداث على الأرض. خلال النزاعات المسلحة، مثل الصراع الأخير في قطاع غزة الذي شهد تصعيدًا كبيرًا، تُعتبر المقاطع المصورة التي يرفعها الأفراد والمنظمات غير الحكومية أدلة أولية لا تقدر بثمن لتقييم الوضع وتحديد المسؤوليات. هذه المواد المرئية غالبًا ما تكون الأساس للتحقيقات المستقبلية من قبل الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، وتقدم نافذة للعالم على الواقع الميداني.
تفاصيل عملية الإزالة
وفقًا لتقرير “ذي إنترسبت”، فإن المقاطع السبعمائة التي أُزيلت كانت تصور مجموعة واسعة من الانتهاكات المزعومة التي تتراوح بين استهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية واستخدام القوة المفرطة خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية، لا سيما في سياق الصراع الأخير في غزة. وقد أكد التقرير أن هذه الإزالة جاءت بعد فترة وجيزة من قيام يوتيوب بحذف قنوات ثلاث منظمات حقوقية فلسطينية رئيسية هي الحق، مركز الميزان لحقوق الإنسان، والضمير لدعم الأسرى وحقوق الإنسان، وهي منظمات معروفة بعملها الرصين في توثيق الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية. وقد أثار هذا التسلسل من الأحداث مخاوف جدية بين المدافعين عن حقوق الإنسان بشأن محاولات محتملة لطمس الأدلة وتقييد حرية التعبير للجهات التي تسعى لكشف الحقيقة.
سياسات يوتيوب وتحديات المحتوى
تفرض يوتيوب، شأنها شأن جميع منصات المحتوى الكبيرة، سياسات صارمة تتعلق بالمحتوى الذي يُسمح بنشره، وتشمل قواعد ضد العنف الصريح، وخطاب الكراهية، والمحتوى الرسومي الذي قد يُعتبر “غير لائق”. ومع ذلك، يرى النقاد أن تطبيق هذه السياسات غالبًا ما يكون معقدًا وغير متسق، خاصة في سياق النزاعات السياسية والعسكرية. فبينما تهدف المنصة إلى حماية المستخدمين من المحتوى المؤذي، يجد المدافعون عن حقوق الإنسان صعوبة في التمييز بين توثيق الانتهاكات والتحريض على العنف. تتلقى يوتيوب ضغوطًا كبيرة من مختلف الحكومات والجماعات المدافعة عن قضايا معينة لحذف محتوى معين، مما يضعها في موقف حرج بين ضمان حرية التعبير ومنع نشر المحتوى الضار، ويؤدي في بعض الأحيان إلى اتهامات بالتحيز أو الرقابة.
ردود الفعل والتداعيات
أثارت عمليات حذف مقاطع الفيديو وحسابات المنظمات الحقوقية موجة من الإدانات والاستنكار من قبل المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، ونشطاء الحريات الرقمية، والعديد من الجهات الأخرى. أعربت هذه الأطراف عن قلقها البالغ من أن هذه الإجراءات قد تُعيق جهود المساءلة وتُضعف القدرة على جمع الأدلة في حالات انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة. وحذروا من أن إزالة مثل هذا المحتوى يمكن أن يمهد الطريق لإنكار الوقائع وتضليل الرأي العام، وبالتالي تقويض مبادئ العدالة والشفافية. كما أن حرمان المنظمات الحقوقية من منصاتها يؤثر سلبًا على قدرتها على إيصال صوت الضحايا وتوثيق ما يتعرضون له من انتهاكات، مما يجعل جهودها أكثر صعوبة في بيئة رقمية متزايدة التعقيد والقيود.
أهمية التوثيق الرقمي
تُعد الأدلة الرقمية، وخاصة مقاطع الفيديو، ركيزة أساسية في العصر الحديث لتوثيق الصراعات وانتهاكات حقوق الإنسان، فهي توفر سجلًا مرئيًا للأحداث يمكن تحليله والتحقق منه. وفي غياب هذا التوثيق، يصبح من الصعب للغاية بناء قضايا قانونية قوية أو تقديم الجناة إلى العدالة. تُبرز هذه الحادثة الحاجة الماسة إلى وجود آليات شفافة وعادلة لإدارة المحتوى على المنصات الرقمية، تضمن عدم إساءة استخدام سياسات الحذف لمنع نشر الحقائق أو إسكات الأصوات المهمة. كما تؤكد على الدور الحاسم للمنظمات الحقوقية المستقلة في الحفاظ على هذه السجلات وتوفيرها للجهات المعنية، حتى عندما تواجه تحديات كبيرة من قبل المنصات نفسها أو من قبل أطراف تسعى لحجب الحقيقة. إن القدرة على الوصول إلى هذه المعلومات وتوثيقها تبقى حجر الزاوية في أي مسعى نحو العدالة والمساءلة.





