يوسف شاهين يعود من جديد.. أفلامه المرمّمة تضيء مئويته
تشهد الساحة السينمائية العربية والعالمية في الفترة الأخيرة اهتماماً متزايداً بتراث المخرج المصري العالمي يوسف شاهين، تزامناً مع اقتراب الذكرى المئوية لميلاده في عام 2026. تتجلى عودة شاهين هذه، ليس فقط عبر إعادة تقييم أعماله الخالدة، بل من خلال مبادرات واسعة لترميم أفلامه الأيقونية بجودة عالية، مما يضمن استمرارية وهجها الفني للأجيال القادمة. هذه الجهود تأتي في سياق حرص المؤسسات الثقافية على حفظ الذاكرة السينمائية وتمكين الجمهور من مشاهدة كنوز السينما العربية بأبهى صورها.

خلفية وأهمية يوسف شاهين السينمائية
يُعد يوسف شاهين (مواليد 25 يناير 1926 - وفاة 27 يوليو 2008) أحد أبرز المخرجين في تاريخ السينما المصرية والعالمية. تميزت أعماله بتنوعها وعمقها، حيث تناول قضايا اجتماعية وسياسية وفكرية معقدة بأسلوب فني فريد، غالباً ما يمزج الواقعية بالسريالية، والسرد الشخصي بالدراما التاريخية. بدءاً من "باب الحديد" (1958) و"الأرض" (1970) وصولاً إلى ثلاثية الإسكندرية ("إسكندرية ليه؟" 1978، "حدوتة مصرية" 1982، "إسكندرية كمان وكمان" 1990)، ترك شاهين بصمة لا تُمحى، عاكساً تحولات المجتمع المصري والعربي، ومقدماً نظرة نقدية ثاقبة للعالم من حوله. حاز على العديد من الجوائز العالمية، منها جائزة الإنجاز مدى الحياة من مهرجان كان السينمائي في عام 1997، مما يؤكد مكانته كقيمة سينمائية عالمية.
مبادرات وجهود الترميم
تتضافر جهود عدة مؤسسات دولية ومحلية لترميم أعمال شاهين السينمائية. تأتي في مقدمة هذه المبادرات شركة مصر للأفلام الدولية (MIF)، التي أسسها شاهين بنفسه، والتي تعمل بالتعاون مع جهات عالمية متخصصة في حفظ الأفلام. من أبرز هذه الجهات مشروع السينما العالمية (World Cinema Project) الذي أسسه المخرج الأمريكي الشهير مارتن سكورسيزي، والذي اهتم بترميم عدد من أفلام شاهين مثل "باب الحديد" و"الأرض". كما تلعب السينماتك الفرنسية (Cinémathèque Française) دوراً محورياً في هذا المجال، حيث تُعد من أكبر حواضن أرشيف السينما العالمية، وقد أسهمت في ترميم عدة أعمال لشاهين، مستفيدة من النسخ الأصلية المحفوظة لديها. تشمل عمليات الترميم معالجة دقيقة للصور والألوان والصوت، بهدف استعادة الجودة الفنية الأصلية التي أرادها شاهين، وغالباً ما تتم بجودة 4K لضمان تجربة مشاهدة فائقة.
الاحتفاء بالمئوية وعرض الأفلام المرممة
مع اقتراب عام 2026، الذي يمثل الذكرى المئوية لميلاد يوسف شاهين، تتجه الأنظار نحو فعاليات ثقافية وسينمائية للاحتفال بإرثه. تُعد الأفلام المرممة حجر الزاوية في هذه الاحتفالات. فبعد إطلاقها بجودتها الجديدة، تُعرض هذه الأفلام في مهرجانات سينمائية مرموقة حول العالم وفي عروض خاصة، مما يتيح للجمهور، وخاصة الأجيال الشابة، فرصة اكتشاف أو إعادة اكتشاف عبقرية شاهين. على سبيل المثال، شهدت بعض المهرجانات الكبرى في السنوات الأخيرة عروضاً لأفلامه المرممة، مما أعاد تسليط الضوء على هذه الأعمال وقدرتها على مخاطبة الحاضر رغم مرور عقود على إنتاجها. هذه العروض لا تقتصر على الجانب الترفيهي، بل هي بمثابة دروس سينمائية وتاريخية حية تعكس عمق فكره وفنه.
الأهمية الثقافية والتراثية
إن أهمية ترميم أفلام يوسف شاهين تتجاوز مجرد الصيانة التقنية. إنها تمثل جهداً حيوياً للحفاظ على جزء أصيل من الذاكرة الثقافية المصرية والعربية، ووضعها في سياقها العالمي الصحيح. أعمال شاهين ليست مجرد أفلام، بل هي وثائق تاريخية واجتماعية تعكس مراحل مفصلية من تاريخ المنطقة. بإعادة إحياء هذه الأفلام بجودتها الأصلية، يتم ضمان بقاء هذا الإرث الفني سليماً ومتاحاً للبحث والدراسة والتقدير للأجيال القادمة، مما يعزز من مكانة السينما العربية كرافد مهم للثقافة الإنسانية. كما أن هذه المبادرات تسهم في تعزيز الحوار الثقافي بين الشرق والغرب من خلال أعمال فنان عالمي قادر على تجاوز الحواجز الجغرافية والثقافية بفضل لغته السينمائية الشاملة.
تجسد مبادرات ترميم أفلام يوسف شاهين والاحتفاء بمئويته في عام 2026 رسالة واضحة حول أهمية الحفاظ على التراث الفني. إنها ليست مجرد صيانة لأرشيف سينمائي، بل هي إحياء لروح فنان ترك بصمة عميقة في الفن والحياة. هذه العودة المتجددة لأعماله تضمن أن يبقى وهج شاهين مضيئاً، ملهماً صانعي الأفلام الجدد ومثقفاً للجمهور الواسع، ومؤكداً أن الفن الحقيقي لا يفنى مع الزمن، بل يتجدد ليضيء دروب المعرفة والجمال.





