يويفا يخطط لتغيير جذري في مجال حقوق بث المباريات
كشفت تقارير حديثة، نُشرت في الأسابيع الأخيرة، عن أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) يعكف على دراسة خطط تهدف إلى إحداث تحوّل جوهري في كيفية إدارة وبيع حقوق بث مسابقاته الكبرى، وعلى رأسها دوري أبطال أوروبا، والدوري الأوروبي، ودوري المؤتمر الأوروبي. هذه التغييرات، التي وُصفت بأنها قد تكون «تاريخية»، تأتي في إطار سعي الاتحاد لزيادة الإيرادات وتكييف نموذج عمله مع المشهد المتغير لوسائل الإعلام الرقمية.

تعد حقوق البث التلفزيوني والرقمي المصدر الأكبر للدخل بالنسبة لليويفا، وتُشكل عصب تمويل الأندية المشاركة في بطولاته. ومع اقتراب نهاية دورات العقود الحالية (التي تنتهي في عام 2027 بالنسبة للعديد من البطولات)، يرى اليويفا ضرورة لإعادة تقييم الاستراتيجية المتبعة لضمان أقصى استفادة مالية، خاصة في ظل التحديات الجديدة التي فرضتها محاولات الانفصال بتأسيس مسابقات مثل دوري السوبر الأوروبي، والتي هددت الاستقرار المالي للكرة الأوروبية.
خلفية التغييرات المحتملة
لطالما اعتمد اليويفا على نموذج بيع حقوق البث في كل سوق على حدة، وغالبًا ما كان يعتمد على وكالات تسويق متخصصة، مثل شركة TEAM Marketing، التي لعبت دورًا محوريًا في إدارة وتسويق حقوق دوري أبطال أوروبا منذ عقود. هذا النموذج حقق نجاحات كبيرة وساهم في نمو الإيرادات بشكل مطرد، لكنه يواجه الآن تحديات جديدة ناجمة عن:
- تحولات استهلاك المحتوى: تزايد الاعتماد على منصات البث الرقمي وخدمات البث المباشر (OTT) على حساب التلفزيون التقليدي.
- دخول لاعبين جدد: دخول شركات التكنولوجيا العملاقة مثل أمازون وآبل ومنصات البث الرياضي المتخصصة مثل DAZN إلى سوق حقوق البث، مما يزيد المنافسة ويفتح آفاقًا جديدة.
- السعي لتعظيم الإيرادات: رغبة اليويفا في زيادة حصته من الكعكة المالية والتحكم بشكل أكبر في عملية البيع والتوزيع، لضمان استدامة النمو المالي للأندية.
ملامح التغييرات المقترحة
تتمحور الخطط الجديدة حول عدة محاور رئيسية، تسعى لتحديث النهج المتبع:
- المركزية والتحكم المباشر: تشير التقارير إلى أن اليويفا قد يتجه نحو دور أكثر مركزية ومباشرة في عملية بيع حقوق البث، وربما يقلل من اعتماده على وكالات تسويق خارجية في بعض الأسواق أو في مراحل معينة من العملية. هذا يهدف إلى تحقيق قدر أكبر من المرونة والتحكم الاستراتيجي.
- حزم حقوق متنوعة: بدلاً من بيع حقوق التلفزيون التقليدي والرقمي بشكل منفصل تمامًا، قد يتجه اليويفا لتقديم حزم حقوق أكثر شمولاً وتكاملًا، تجمع بين البث الخطي (القنوات التقليدية) والبث الرقمي، أو حزم تغطي عدة أسواق إقليمية معًا.
- البحث عن نموذج «مباشر إلى المستهلك» (DTC): على الرغم من أن إطلاق منصة بث خاصة باليويفا بالكامل قد يكون تحديًا كبيرًا، إلا أن هناك دراسات جدوى لاستكشاف خيارات هجينة تمنح اليويفا سيطرة أكبر على جزء من المحتوى الرقمي، أو تسمح له بالتعاون مع منصات موجودة بشروط جديدة.
- فتح الباب لشركات التكنولوجيا: تستهدف الاستراتيجية الجديدة جذب عروض من عمالقة التكنولوجيا وشركات البث الرقمي، التي تمتلك قدرات مالية وتقنية هائلة، لزيادة المنافسة وبالتالي رفع قيمة حقوق البث.
أحدث التطورات وتوقعات المستقبل
تشير المصادر إلى أن هذه المباحثات دخلت مراحل متقدمة في الأشهر القليلة الماضية، وأن اليويفا يجري مشاورات مكثفة مع الأندية الكبرى والجهات الاستشارية المتخصصة لتحديد أفضل النماذج المستقبلية. من المتوقع أن يتم الكشف عن تفاصيل أكثر وضوحًا حول هذه التغييرات قبل بدء دورة المناقصات الجديدة للحقوق، والتي ستبدأ في الفترة التي تلي انتهاء العقود الحالية في 2027. الهدف هو تقديم نموذج مستدام وربحي للأندية، مع الحفاظ على جاذبية المسابقات للجماهير.
لماذا تكتسي هذه التغييرات أهمية؟
تحمل هذه الخطط تداعيات واسعة على جميع الأطراف المعنية بكرة القدم الأوروبية:
- الأندية: قد تترجم الزيادة المتوقعة في الإيرادات إلى مبالغ أكبر للأندية المشاركة، مما يعزز قدرتها التنافسية ويساعد على سد الفجوات المالية، خاصة في ظل التضخم وارتفاع تكاليف اللاعبين.
- الجماهير: قد توفر خيارات بث أكثر مرونة وربما محتوى إضافيًا، لكنها قد تؤدي أيضًا إلى تجزئة أكبر للسوق وتطلب اشتراكات متعددة لمتابعة جميع المباريات.
- الجهات البث: ستواجه شركات البث التقليدية تحديات أكبر في الاحتفاظ بحقوق المباريات، بينما ستتاح فرص جديدة للاعبين الرقميين لدخول سوق يتمتع بشعبية هائلة.
- اليويفا نفسه: ستعزز هذه الخطط من مكانة اليويفا ككيان مسيطر على مسابقاته، وستمنحه نفوذًا أكبر في تحديد مستقبل كرة القدم الأوروبية على المدى الطويل.
التحديات المحتملة
لا تخلو هذه التغييرات من تحديات. فإدارة عملية بيع حقوق عالمية معقدة تتطلب بنية تحتية وخبرة كبيرة. كما أن هناك خطرًا من إبعاد شركاء البث التقليديين الراسخين، وضرورة التغلب على الحواجز التنظيمية في مختلف الأسواق. علاوة على ذلك، يجب على اليويفا تحقيق التوازن بين تعظيم الإيرادات وضمان وصول واسع للمحتوى، لئلا يؤدي ارتفاع الأسعار إلى فقدان الجماهير.
في الختام، يمثل سعي اليويفا لإعادة صياغة نموذج حقوق بث المباريات خطوة استراتيجية جريئة، تعكس التغيرات الديناميكية في صناعة الإعلام والرياضة. النتائج النهائية لهذه التغييرات ستُشكل بلا شك ملامح مستقبل كرة القدم الأوروبية لعقود قادمة.




