مصر والسعودية تبحثان أزمات السودان وغزة ولبنان لتعزيز الاستقرار الإقليمي

في خطوة تعكس عمق التنسيق الاستراتيجي بين القاهرة والرياض، عقد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ونظيره المصري المعين حديثًا، بدر عبد العاطي، مباحثات مكثفة في القاهرة خلال الأيام القليلة الماضية. تركزت المحادثات على أبرز الملفات الإقليمية الشائكة، وفي مقدمتها الأوضاع المتدهورة في السودان، والحرب المستمرة في قطاع غزة، والتوترات على الساحة اللبنانية، بهدف توحيد الرؤى والجهود لمواجهة التحديات التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها.

خلفية العلاقات الاستراتيجية

تعد العلاقات بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية حجر الزاوية في منظومة الأمن الإقليمي العربي. تستند هذه العلاقة إلى تاريخ طويل من التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري، بالإضافة إلى تطابق وجهات النظر في العديد من القضايا الجوهرية. وتعتبر الدولتان قوتين محوريتين في المنطقة، حيث تلعبان أدوارًا قيادية في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وتعملان بشكل مستمر على تنسيق مواقفهما للتصدي للتدخلات الخارجية ومكافحة الإرهاب وتعزيز الحلول السياسية للأزمات.

يأتي هذا اللقاء في سياق دبلوماسي نشط يعقب تولي السيد بدر عبد العاطي مهام منصبه كوزير للخارجية المصرية، مما يمنح اللقاء أهمية خاصة كونه يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الوثيق بين قيادتي الدبلوماسية في البلدين.

محاور النقاش الرئيسية

شملت المباحثات تحليلًا معمقًا لعدد من الأزمات التي تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي لكلا البلدين والمنطقة ككل. وقد اتفق الجانبان على ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حلول مستدامة. وتضمنت أبرز الملفات التي تم تناولها:

الأزمة السودانية: ناقش الوزيران تداعيات الصراع الدائر في السودان منذ أكثر من عام، مؤكدين على أهمية التوصل إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار. وشددا على ضرورة الحفاظ على سيادة ووحدة الدولة السودانية ومؤسساتها، ورفض أي تدخل خارجي يهدف إلى إطالة أمد الصراع. كما بحثا سبل تعزيز المساعدات الإنسانية للشعب السوداني وتنسيق الجهود مع الأطراف الإقليمية والدولية لدفع العملية السياسية قدمًا.
الحرب في قطاع غزة: استحوذ الوضع في غزة على حيز كبير من المباحثات، حيث جدد الوزيران مطالبتهما بوقف فوري لإطلاق النار وإنهاء الأزمة الإنسانية الكارثية في القطاع. وأكدا على الرفض القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وشددا على أن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية يكمن في إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لحل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية.
الوضع في لبنان: تطرق اللقاء إلى التحديات التي يواجهها لبنان، وخاصة الفراغ الرئاسي المستمر وتصاعد التوترات على الحدود الجنوبية. وأكد الجانبان على دعمهما الكامل لسيادة لبنان واستقراره، وضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن لاستعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية. كما دعيا جميع الأطراف إلى ضبط النفس لتجنب انزلاق المنطقة إلى صراع أوسع نطاقًا.

أهمية التوقيت والتنسيق

يكتسب هذا الاجتماع أهميته من التوقيت الحرج الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط، حيث تتشابك الأزمات وتتصاعد التوترات بشكل غير مسبوق. يمثل التنسيق المصري السعودي رسالة واضحة بأن القوتين الإقليميتين تعملان بتناغم تام لحماية مصالحهما المشتركة والدفاع عن الأمن القومي العربي. إن توحيد المواقف بين القاهرة والرياض يعزز من قدرتهما على التأثير في مسارات الأحداث، سواء عبر القنوات الدبلوماسية الثنائية أو من خلال الأطر متعددة الأطراف كالأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.

ويُنظر إلى هذه المباحثات على أنها محاولة استباقية لتطويق الأزمات ومنع تمددها، خاصة في ظل وجود أطراف خارجية تسعى لاستغلال حالة عدم الاستقرار لتحقيق أجنداتها الخاصة. ويؤكد الاجتماع على التزام البلدين بمبدأ الحلول السياسية التي يقودها أبناء المنطقة بعيدًا عن الإملاءات الخارجية.