أزمة رقائق 'نكسبيريا' تهدد استقرار صناعة السيارات العالمية

يواجه قطاع صناعة السيارات العالمي تحديات متفاقمة جراء نقص حاد في رقائق أشباه الموصلات، لا سيما تلك التي تنتجها شركة نكسبيريا (Nexperia) الهولندية. هذه الأزمة، التي تُعد جزءًا حيويًا من شح أوسع في سلاسل إمداد الرقائق، تهدد بتقويض استقرار الإنتاج وتُلقي بظلالها على مستقبل أحد أكبر الصناعات العالمية.

الخلفية وتصاعد الأزمة

تعتمد السيارات الحديثة بشكل كبير على المكونات الإلكترونية الدقيقة، حيث تضاعف عدد رقائق أشباه الموصلات في كل مركبة بشكل كبير خلال العقد الماضي. تلعب رقائق نكسبيريا، المعروفة بإنتاج الأجهزة المنفصلة (Discretes) والمنطق (Logic) وMOSFETs، دورًا محوريًا في مجموعة واسعة من أنظمة السيارات، بدءًا من وحدات التحكم بالمحرك (ECUs) وأنظمة السلامة المتقدمة (ADAS) وصولًا إلى أنظمة المعلومات والترفيه. بدأت الأزمة الأوسع في قطاع الرقائق في أواخر عام 2020 ومطلع عام 2021، متأثرة بجائحة كوفيد-19 التي أدت إلى إغلاق المصانع في البداية، ثم طفرة غير متوقعة في الطلب على الإلكترونيات الاستهلاكية. حين تعافى الطلب على السيارات، وجدت شركات صناعة السيارات نفسها تتنافس على إمدادات شحيحة، حيث كانت مصانع الرقائق قد أعادت تخصيص قدراتها الإنتاجية لقطاعات أخرى أكثر ربحية في ذلك الوقت. تفاقمت هذه المشكلة العامة بتحديات خاصة تتعلق برقائق نكسبيريا، والتي قد تكون ناجمة عن قيود إنتاج محددة أو زيادة غير متوقعة في الطلب على منتجاتها الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها.

تداعيات مباشرة على صناعة السيارات

كانت التداعيات على شركات صناعة السيارات العالمية وخيمة. لقد اضطرت شركات عملاقة مثل فولكس فاجن (Volkswagen)، فورد (Ford)، وجنرال موتورز (General Motors)، وتويوتا (Toyota) إلى تقليص أحجام إنتاجها بشكل كبير، مما أدى إلى خسائر بمليارات الدولارات وتأخيرات طويلة في تسليم المركبات الجديدة للعملاء. على سبيل المثال، أشارت تقارير خلال أواخر عام 2023 وبداية عام 2024 إلى استمرار هذه التحديات، حيث كان نقص الرقائق هو السبب الرئيسي وراء عدم قدرة المصانع على تحقيق أهداف الإنتاج. لم يقتصر التأثير على النماذج الحالية فحسب، بل امتد ليُعيق جهود الابتكار والتحول نحو السيارات الكهربائية (EVs) والمركبات ذاتية القيادة، التي تتطلب كميات أكبر وأنواعًا أكثر تعقيدًا من أشباه الموصلات. في بعض الحالات، اضطرت الشركات إلى تجميع سيارات غير مكتملة، في انتظار وصول الرقائق الضرورية لتركيبها لاحقًا، مما أضاف تعقيدًا وتكلفة لسلسلة التوريد.

جهود التكيف والاستجابات

لم تقف صناعة السيارات مكتوفة الأيدي في مواجهة هذه الأزمة. لقد بدأت الشركات في إعادة تقييم وتعديل استراتيجيات سلاسل الإمداد الخاصة بها جذريًا. تتضمن هذه الجهود عدة محاور:

عقود مباشرة: التحول نحو إبرام عقود طويلة الأجل ومباشرة مع مصنعي الرقائق بدلاً من الاعتماد على الوسطاء، لضمان الحصول على إمدادات ثابتة.
إعادة تصميم المركبات: مراجعة تصاميم المركبات للسماح باستخدام رقائق بديلة أو أكثر شيوعًا، أو حتى تبسيط بعض الميزات الإلكترونية لتقليل الاعتماد على الرقائق النادرة.
تخزين استراتيجي: زيادة المخزونات الاحتياطية من الرقائق والمكونات الرئيسية للحد من تأثير الاضطرابات المستقبلية، على الرغم من أن ذلك يتعارض مع نماذج "التوريد في الوقت المناسب" (Just-In-Time) التقليدية.
التعاون مع المشرعين: الضغط على الحكومات لتوفير الحوافز والاستثمارات في صناعة أشباه الموصلات المحلية.

على الصعيد الحكومي، استجابت العديد من الدول لهذه الأزمة من خلال برامج طموحة تهدف إلى تعزيز قدراتها المحلية في إنتاج الرقائق. يُعد قانون الرقائق والعلوم الأمريكي (U.S. CHIPS and Science Act) وقانون الرقائق الأوروبي (European Chips Act) مثالين بارزين لهذه الجهود، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على عدد قليل من الموردين العالميين وزيادة مرونة سلاسل الإمداد على المدى الطويل.

النظرة المستقبلية والتحديات المستمرة

بينما يتوقع بعض المحللين تراجعًا تدريجيًا في الأزمة الأوسع لرقائق أشباه الموصلات بحلول منتصف عام 2024 أو أوائل عام 2025، فإن التحديات المحددة المتعلقة برقائق نكسبيريا والقضايا الهيكلية الأساسية في سلسلة توريد أشباه الموصلات تشير إلى أن التقلبات قد تستمر. من غير المرجح أن تعود الصناعة إلى نماذج سلسلة التوريد التي كانت سائدة قبل الأزمة. بدلاً من ذلك، يتشكل نموذج جديد يركز على المرونة والتنويع والتخزين الاستراتيجي. تُبرز هذه الأزمة الترابط العميق بين الصناعات العالمية والدور الحاسم الذي تلعبه المكونات الصغيرة، ولكن المعقدة، في أداء المنتجات التكنولوجية المتطورة. إن قدرة صناعة السيارات على التكيف مع هذه القيود المستمرة في الإمداد ستكون حاسمة لنموها واستقرارها في السنوات القادمة.