خلافات سياسية بين مصر وإسرائيل تتصاعد بسبب أزمة في تصدير الغاز

شهدت العلاقات الاستراتيجية بين مصر وإسرائيل في مجال الطاقة توتراً جديداً في الآونة الأخيرة، وذلك عقب قرار وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، بتعليق الموافقة على خطط زيادة صادرات الغاز الطبيعي إلى مصر. هذا القرار ألقى بظلال من الشك على مستقبل التعاون الطاقوي بين البلدين، والذي يُعتبر أحد أهم ركائز العلاقات الثنائية منذ عقود، وأثار تساؤلات حول الأبعاد السياسية والاقتصادية الكامنة وراء هذه الخطوة.

خلفية الشراكة الاستراتيجية في مجال الطاقة

تغيرت ديناميكيات الطاقة في شرق المتوسط بشكل جذري خلال العقد الماضي. فبعد أن كانت مصر مصدراً للغاز إلى إسرائيل، انعكس الوضع مع اكتشاف حقول غاز إسرائيلية ضخمة مثل حقلي "تمار" و"ليفياثان". أصبحت إسرائيل منتجاً ومصدراً رئيسياً للغاز، بينما تحولت مصر، بفضل بنيتها التحتية المتمثلة في محطتي الإسالة في إدكو ودمياط، إلى مركز إقليمي للطاقة يهدف إلى تجميع غاز المنطقة وإعادة تصديره إلى أوروبا على شكل غاز طبيعي مسال (LNG).

وقد توطدت هذه الشراكة من خلال اتفاقيات تجارية ضخمة وتأسيس منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF) الذي تتخذ من القاهرة مقراً لها، مما عزز من دور مصر المحوري وأبرز أهمية التعاون الإقليمي لتأمين إمدادات الطاقة، خاصة للأسواق الأوروبية التي تسعى لتنويع مصادرها بعيداً عن الغاز الروسي.

تفاصيل الأزمة الراهنة ودوافعها

تتمحور الأزمة الحالية حول طلب شركات الطاقة العاملة في حقل ليفياثان، وعلى رأسها شركة شيفرون، الموافقة على زيادة الطاقة الإنتاجية للحقل من حوالي 12 مليار متر مكعب سنوياً إلى ما يقارب 21 مليار متر مكعب. جزء كبير من هذه الزيادة كان من المخطط توجيهه للتصدير إلى مصر عبر خطوط الأنابيب القائمة، بهدف تلبية الطلب المحلي المصري المتزايد وتوفير كميات إضافية لإعادة التصدير.

إلا أن وزير الطاقة الإسرائيلي أعلن عن مراجعة شاملة لسياسة تصدير الغاز، معللاً قراره بضرورة ضمان أمن الطاقة المحلي في إسرائيل على المدى الطويل. وأشار إلى أن أي قرارات مستقبلية بشأن زيادة الصادرات يجب أن توازن بين الفوائد الاقتصادية الناتجة عن التصدير والحاجة الاستراتيجية للحفاظ على احتياطيات كافية للأجيال القادمة في إسرائيل. وقد أثار هذا القرار قلقاً لدى شركات الطاقة التي استثمرت مليارات الدولارات بناءً على توقعات التوسع في الصادرات.

الأبعاد السياسية والاقتصادية للخلاف

يمثل قرار تجميد الموافقة تحدياً كبيراً لكلا البلدين وله تداعيات تتجاوز الجانب التجاري. فعلى الصعيد الاقتصادي:

بالنسبة لمصر: يعرقل القرار طموحاتها في تعزيز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة، وقد يؤثر على قدرتها على تلبية احتياجات السوق المحلي خلال فترات الذروة، فضلاً عن تقليص عائداتها من العملة الصعبة الناتجة عن إعادة تصدير الغاز المسال.
بالنسبة لإسرائيل: قد يؤدي التأخير في توسيع الصادرات إلى خسارة إيرادات مالية كبيرة، كما يمكن أن يبعث برسالة سلبية للمستثمرين الدوليين في قطاع الطاقة الإسرائيلي ويؤثر على موثوقيتها كمورد للطاقة.
بالنسبة لأوروبا: يأتي هذا التوتر في وقت حرج تسعى فيه القارة الأوروبية لتأمين بدائل مستقرة وموثوقة للغاز الروسي، ويمثل غاز شرق المتوسط أحد هذه البدائل الواعدة.

أما على الصعيد السياسي، فإن التعاون في مجال الغاز يُعتبر أحد أهم مظاهر "السلام الدافئ" بين مصر وإسرائيل، وأي اهتزاز في هذه الشراكة قد ينعكس على جوانب أخرى من العلاقات الثنائية. ويأتي هذا الخلاف في ظل توترات إقليمية قائمة، مما يضيف طبقة جديدة من التعقيد على التفاعلات السياسية بين البلدين.

التوقعات المستقبلية وسيناريوهات الحل

من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مفاوضات مكثفة بين المسؤولين في البلدين، بالإضافة إلى ضغوط من شركات الطاقة المتضررة، لإيجاد حل وسط. يرى مراقبون أن القرار الإسرائيلي قد لا يكون نهائياً، بل يهدف إلى إعادة التفاوض على بعض الشروط أو الحصول على ضمانات إضافية. يبقى المسار المستقبلي مرهوناً بقدرة الطرفين على الموازنة بين مصالحهما الوطنية المنفصلة والمنافع الاستراتيجية المشتركة التي يوفرها استمرار وتوسيع شراكتهما في مجال الطاقة. إن الحفاظ على هذا التعاون يخدم الاستقرار الإقليمي والمصالح الاقتصادية لكل من القاهرة وتل أبيب على المدى الطويل.