جائزة نوبل للسلام: من وصية ألفريد نوبل إلى أصغر فائزة وإنجازات العرب

تُعد جائزة نوبل للسلام واحدة من أرفع الجوائز العالمية شأناً، حيث تُمنح سنوياً في العاصمة النرويجية أوسلو لتكريم الأفراد والمنظمات التي بذلت جهوداً استثنائية في تعزيز السلام وحل النزاعات وتحقيق الأخوة بين الأمم. انطلقت الجائزة من وصية غير متوقعة لمخترع الديناميت، ألفريد نوبل، لتصبح على مدار أكثر من قرن رمزاً للأمل ومنارة تسلط الضوء على أبرز صانعي السلام في العالم.

تأسيس الجائزة ووصية نوبل

في 27 نوفمبر 1895، وقع الصناعي والمخترع السويدي ألفريد نوبل وصيته الأخيرة التي خصص بموجبها الجزء الأكبر من ثروته الهائلة لإنشاء سلسلة من الجوائز السنوية في مجالات الفيزياء، والكيمياء، والطب، والأدب، والسلام. جاءت فكرة جائزة السلام، بحسب مؤرخين، نتيجة لشعوره بالذنب تجاه استخدام اختراعاته، وعلى رأسها الديناميت، في الحروب والدمار، ورغبته في ترك إرث يخدم الإنسانية.

أوكل نوبل مهمة اختيار الفائز بجائزة السلام إلى لجنة يعينها البرلمان النرويجي، وهو قرار كان لافتاً في ظل الاتحاد السياسي الذي كان قائماً آنذاك بين السويد والنرويج. وعلى الرغم من أن اللجنة يتم تعيينها من قبل جهة سياسية، إلا أنها تعمل كهيئة مستقلة تماماً في قراراتها، مما يمنح الجائزة مصداقية وحيادية. تُسلم الجائزة رسمياً في أوسلو في 10 ديسمبر من كل عام، وهو تاريخ ذكرى وفاة ألفريد نوبل.

محطات بارزة في تاريخ الجائزة

منذ منحها للمرة الأولى عام 1901، شهد سجل جائزة نوبل للسلام أسماء شخصيات ومنظمات تركت بصمة لا تُمحى في التاريخ. ومن بين أبرز المحطات التي جسدت روح الجائزة:

أصغر فائزة: في عام 2014، أصبحت الناشطة الباكستانية ملالا يوسفزاي أصغر شخص يفوز بالجائزة على الإطلاق، حيث كانت تبلغ من العمر 17 عاماً فقط. جاء تكريمها تقديراً لنضالها الشجاع من أجل حق الفتيات في التعليم في مواجهة التطرف.
أحدث الحائزين: مُنحت جائزة عام 2023 للناشطة الإيرانية المسجونة نرجس محمدي، وذلك "لنضالها ضد قمع النساء في إيران وكفاحها من أجل تعزيز حقوق الإنسان والحرية للجميع"، مما سلط الضوء على أهمية دعم المدافعين عن حقوق الإنسان حتى وهم خلف القضبان.
رموز عالمية: كرمت الجائزة أيقونات عالمية مثل مارتن لوثر كينغ جونيور (1964) لنضاله السلمي ضد التمييز العنصري، ونيلسون مانديلا (1993) لجهوده في إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

الحضور العربي في سجل نوبل للسلام

كان للعالم العربي حصة مشرفة في تاريخ الجائزة، حيث فاز بها خمسة من أبنائه (أربعة أفراد ومنظمة واحدة)، تقديراً لإسهاماتهم الكبيرة في مجالات الدبلوماسية وحقوق الإنسان ونزع السلاح. ويعكس هذا التكريم الدور الذي لعبه العرب في قضايا السلام الإقليمية والعالمية. الفائزون هم:

محمد أنور السادات (1978): الرئيس المصري الأسبق، مُنح الجائزة مناصفة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن لجهودهما في التوصل إلى اتفاقيات كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل.
ياسر عرفات (1994): الزعيم الفلسطيني الراحل، تقاسم الجائزة مع شيمون بيريز وإسحق رابين بعد توقيع اتفاقيات أوسلو للسلام.
محمد البرادعي (2005): المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، حصل على الجائزة مناصفة مع الوكالة لجهودهما في منع استخدام الطاقة النووية لأغراض عسكرية.
توكل كرمان (2011): الناشطة اليمنية، كانت أول امرأة عربية تفوز بالجائزة، وذلك تقديراً لنضالها السلمي من أجل سلامة المرأة وحقوقها في المشاركة الكاملة في بناء السلام.
الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس (2015): مُنحت الجائزة لهذه المجموعة تقديراً لدورها الحاسم في بناء ديمقراطية تعددية في تونس في أعقاب ثورة 2011.

جدل وانتقادات

على الرغم من مكانتها المرموقة، لم تكن جائزة نوبل للسلام بمنأى عن الجدل والانتقادات عبر تاريخها. أثارت بعض الاختيارات تساؤلات حول مدى توافقها مع أهداف الوصية الأصلية لألفريد نوبل. من بين الحالات التي أثارت جدلاً واسعاً منح الجائزة لوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر عام 1973، والرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2009 في بداية فترة رئاسته الأولى، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عام 2019 الذي دخلت بلاده لاحقاً في حرب أهلية مدمرة. يؤكد النقاد أن بعض القرارات كانت ذات دوافع سياسية أكثر من كونها تقديراً لإنجازات سلام ملموسة ودائمة.

في الختام، تبقى جائزة نوبل للسلام حدثاً سنوياً ينتظره العالم، ليس فقط لمعرفة الفائز، بل أيضاً لما تمثله من رسالة قوية بأن الجهود المبذولة من أجل عالم أكثر أمناً وتعايشاً تستحق التكريم والتقدير، وأن فردًا واحدًا أو منظمة واحدة يمكن أن تحدث فرقاً حقيقياً في مسار التاريخ.