أمهات غزة يحاربن الجوع بـ"الاختراعات": من "الفتّة الكذابة" إلى خبز العدس والبازلاء

في قلب قطاع غزة المحاصر، حيث تتفاقم الأزمة الإنسانية وتتضاءل سبل العيش، تجد الأمهات الفلسطينيات أنفسهن في مواجهة يومية مع شبح الجوع الذي يهدد أطفالهن. في ظل ندرة المكونات الأساسية وارتفاع أسعار ما يتوفر منها، برزت قصص صمود وإبداع لافتة، حيث لجأت هؤلاء الأمهات إلى "اختراعات" غذائية مبتكرة لضمان بقاء عائلاتهن، مستلهمات من المطبخ التقليدي ومكيفات مع الواقع القاسي. من أبرز هذه الابتكارات "الفتّة الكذابة" وخبز العدس والبازلاء، التي أصبحت رمزاً للمقاومة والصمود في مواجهة تحديات لا مثيل لها.

خلفية الأزمة الإنسانية في غزة

يعاني قطاع غزة، الذي يقطنه أكثر من مليوني فلسطيني، من حصار خانق مستمر منذ سنوات طويلة، تفاقم بشكل كارثي مع التصعيد الأخير. هذا الحصار أدى إلى تدمير البنية التحتية، وشل الحركة التجارية، وخنق سبل الإنتاج المحلي. نتيجة لذلك، أصبحت الغالبية العظمى من السكان تعتمد على المساعدات الإنسانية، التي غالباً ما تكون غير كافية أو متقطعة. تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية تحذر باستمرار من مستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي، حيث يواجه مئات الآلاف خطر المجاعة، خاصة الأطفال والنساء.

إن النقص الحاد في الغذاء يمتد ليشمل المواد الأساسية مثل الطحين والزيت والأرز والسكر، فضلاً عن البروتينات والخضروات الطازجة. حتى عند توفر بعض السلع، فإن أسعارها الباهظة تجعلها بعيدة عن متناول معظم العائلات، التي فقدت مصادر دخلها أو تدهورت بشكل كبير.

"الفتّة الكذابة" وخبز البقوليات: إبداعٌ من رحم المعاناة

لم يترك اليأس مجالاً للاستسلام أمام أمهات غزة، بل حفزهن على الابتكار. "الفتّة الكذابة"، على سبيل المثال، هي طبق تم استحداثه ليحل محل طبق الفتّة التقليدي الغني باللحم أو الدجاج والحمص والأرز والصنوبر واللبن. تعتمد "الفتّة الكذابة" على مكونات أكثر توفراً وأقل كلفة، مثل:

البقوليات المجففة: كالعدس والبازلاء المجففة، التي تُستخدم بديلاً للحمص أو اللحم.
قطع الخبز المجفف: بدلاً من الخبز المحمص بالزيت أو السمن.
خضروات بسيطة: مثل البصل أو الثوم المتوفرين، مع استخدام ماء السلق بدلاً من مرقة اللحم.
توابل محدودة: لإضافة نكهة قدر الإمكان.

أما "خبز العدس والبازلاء"، فيمثل حلاً مبتكراً لمشكلة ندرة الطحين الأبيض أو القمح. يتم إعداده باستخدام العدس أو البازلاء المطحونة جزئياً أو كلياً، ممزوجة بكميات قليلة جداً من الطحين المتوفر أو حتى بدونه. هذا الخبز، على الرغم من اختلاف مذاقه وقوامه عن الخبز التقليدي، يوفر مصدراً للطاقة والبروتين، ويساعد على سد رمق العائلات.

دور الأمهات وصمود العائلة

تقع مسؤولية توفير الغذاء بشكل أساسي على عاتق الأمهات في غزة، وهن من يتحملن عبء البحث عن المكونات، والتفكير في وصفات بديلة، وضمان حصول أطفالهن على الحد الأدنى من التغذية. هذه الابتكارات ليست مجرد وصفات طعام، بل هي تعبير عن قوة الإرادة الأمومية، ورفض الاستسلام للجوع. إنها محاولات يائسة للحفاظ على شعور الأطفال بالاستقرار والروتين في أوقات الفوضى، وتذكيرهم بأن هناك من يسعى جاهداً لتوفير قوتهم.

ومع ذلك، فإن هذه الجهود الجبارة لا تخلو من تحديات صحية كبيرة. فالاعتماد على أطباق محدودة في مكوناتها يمكن أن يؤدي إلى نقص في الفيتامينات والمعادن الأساسية، مما يزيد من مخاطر سوء التغذية، خاصة لدى الأطفال الذين هم في أمس الحاجة إلى نظام غذائي متوازن لنموهم وتطورهم. هذا الوضع دفع بالعديد من المنظمات الدولية إلى إطلاق تحذيرات بشأن الارتفاع المقلق في معدلات سوء التغذية، خصوصاً بين الرضع والأطفال الصغار.

نداءات دولية وتحديات مستمرة

تستمر المنظمات الإنسانية الدولية في مناشدة المجتمع الدولي لفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات بشكل عاجل وكافٍ إلى قطاع غزة، ورفع الحصار الذي يزيد من تفاقم الوضع. إن إبداعات الأمهات في المطبخ الغزاوي، وإن كانت تبرز قوة الصمود الإنساني، إلا أنها في جوهرها مؤشر خطير على حجم الكارثة الغذائية التي يعيشها القطاع. هذه الأطباق ليست خيارات غذائية، بل هي حلول طارئة تفرضها ظروف قاهرة، وتؤكد الحاجة الملحة إلى تدخل دولي فعال ومستدام لضمان الأمن الغذائي والحقوق الأساسية لملايين السكان في غزة.