مصر: التكنولوجيا المتقدمة حجر الزاوية لتعظيم إنتاج الغاز واستكشافه

أكدت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية مؤخرًا، من خلال تصريحات وزيرها المهندس طارق الملا، أن تعظيم الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة والمتطورة في عمليات البحث والاستكشاف وإنتاج الغاز الطبيعي يمثل أولوية قصوى ضمن استراتيجيتها الرامية لتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة. جاء هذا التأكيد على هامش مشاركة الوزير في منتدى إنرجي إنتليجنس الدولي الذي عُقد في لندن، حيث شهدت الفعاليات سلسلة من اللقاءات الهامة مع قادة كبرى الشركات العالمية في قطاع الطاقة. ويبرز هذا التوجه سعي القاهرة الحثيث لزيادة احتياطياتها وإنتاجها من الغاز، بما يخدم متطلبات السوق المحلية المتنامية ويعزز قدرتها على التصدير.

وخلال المنتدى، التقى الوزير بـلورينزو سيمونيلي، الرئيس التنفيذي لشركة بيكر هيوز العالمية، الرائدة في تقديم حلول وتقنيات الحفر والإنتاج لحقول النفط والغاز، فضلاً عن خبرتها في مجالات التحول الطاقي وتقنيات خفض الانبعاثات الكربونية. تركزت المناقشات حول سبل تعزيز التعاون المشترك والاستفادة من أحدث الابتكارات التكنولوجية لتحقيق الأهداف المصرية الطموحة في قطاع الغاز.

خلفية واستراتيجية مصر للطاقة

لطالما لعب قطاع الغاز الطبيعي دورًا محوريًا في الاقتصاد المصري، ليس فقط كركيزة أساسية لتوليد الكهرباء وتشغيل الصناعة وتلبية احتياجات المنازل، بل كرافد حيوي للدخل القومي من خلال الصادرات. تهدف الاستراتيجية المصرية للطاقة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل من الغاز الطبيعي، ثم التحول إلى لاعب رئيسي في أسواق الطاقة الإقليمية والدولية. وقد شهدت السنوات الماضية طفرة في الاكتشافات الغازية الكبرى، أبرزها حقل ظهر العملاق في البحر المتوسط، والذي ساهم بشكل كبير في تحقيق الاكتفاء الذاتي وفتح آفاق جديدة للتصدير.

وترتكز هذه الاستراتيجية على عدة محاور، منها تكثيف أنشطة البحث والاستكشاف في مناطق الامتياز الواعدة، وتحسين كفاءة عمليات الإنتاج القائمة، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية لنقل وتسييل الغاز. وفي هذا السياق، يعتبر دمج التكنولوجيا المتقدمة ضرورة حتمية لتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة واكتشاف موارد جديدة بكفاءة وفاعلية.

دور التكنولوجيا في تعزيز البحث والإنتاج

تعد التكنولوجيا أداة لا غنى عنها في كل مراحل دورة حياة حقول الغاز، بدءًا من الاستكشاف الأولي ووصولًا إلى الإنتاج وصيانة الحقول. وتستهدف مصر تبني مجموعة واسعة من الحلول التكنولوجية لتعظيم إنتاجها الغازي، منها:

المسح السيزمي ثلاثي ورباعي الأبعاد (3D/4D Seismic Imaging): توفر هذه التقنيات صورًا أكثر دقة للبنية الجيولوجية تحت السطحية، مما يقلل من مخاطر الحفر ويزيد من فرص العثور على مكامن غازية جديدة.
الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي (AI & Machine Learning): تُستخدم هذه الأدوات لتحليل كميات هائلة من البيانات الجيولوجية والجيوفيزيائية وبيانات الآبار، مما يساعد في تحديد أفضل مواقع الحفر وتحسين نماذج المكامن وتوقع سلوكها بدقة أعلى.
الرقمنة والمجالات الذكية (Digitalization & Smart Fields): تشمل تطبيق أنظمة المراقبة والتحكم عن بعد، استخدام أجهزة الاستشعار الذكية، وتطوير "التوائم الرقمية" للحقول. هذه التقنيات تمكن من تحسين أداء الحقول، تقليل أوقات التوقف، وتحسين كفاءة التشغيل.
تقنيات الاستخلاص المعزز للغاز (Enhanced Gas Recovery - EGR): تهدف هذه التقنيات إلى زيادة كمية الغاز التي يمكن استخلاصها من الحقول القائمة، حتى بعد استنفاذ طرق الإنتاج التقليدية.
الحفر الموجه والأفقي (Directional & Horizontal Drilling): تسمح هذه التقنيات بالوصول إلى مناطق أبعد من موقع الحفر الأصلي، واستخراج الغاز من طبقات صخرية رقيقة أو صعبة الوصول، مما يزيد من مساحة التغطية الإنتاجية للبئر الواحد.

التعاون الدولي والشراكات

إن تحقيق أهداف مصر الطموحة في قطاع الغاز يتطلب استمرار وتعميق الشراكات الدولية مع الشركات الرائدة عالميًا في مجالات التكنولوجيا والخدمات البترولية. فمثل هذه الشراكات لا توفر فقط أحدث التقنيات والمعدات، بل تساهم أيضًا في نقل المعرفة والخبرات وتطوير الكوادر البشرية المحلية.

لقاء الوزير مع الرئيس التنفيذي لـبيكر هيوز يعد مثالاً على هذا التوجه، حيث تمتلك الشركة سجلًا حافلاً في تقديم حلول مبتكرة للبحث والإنتاج، بالإضافة إلى دورها المتزايد في دعم مبادرات التحول الطاقي العالمية. وتسعى مصر للاستفادة من هذه الخبرات لتعزيز كفاءة عملياتها وتقليل بصمتها الكربونية، بما يتماشى مع التزاماتها البيئية.

الآثار الاقتصادية والبيئية

إن تعزيز إنتاج الغاز باستخدام التكنولوجيا المتقدمة يحمل في طياته العديد من الفوائد الاقتصادية والبيئية لمصر. فعلى الصعيد الاقتصادي، ستؤدي زيادة الإنتاج إلى:

تعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليل الحاجة للاستيراد.
زيادة عائدات الصادرات من الغاز الطبيعي المسال.
جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع الطاقة.
خلق فرص عمل جديدة وتنمية الصناعات المحلية المرتبطة بالقطاع.

أما على الصعيد البيئي، فإن الغاز الطبيعي يُعتبر وقودًا انتقاليًا أنظف نسبيًا مقارنة بأنواع الوقود الأحفوري الأخرى. كما أن تطبيق التكنولوجيا الحديثة يساهم في:

تقليل الانبعاثات الكربونية الناجمة عن عمليات الاستكشاف والإنتاج.
تحسين كفاءة استخدام الموارد وتقليل الهدر.
دعم جهود مصر نحو اقتصاد منخفض الكربون والتحول الطاقي.

في الختام، تعكس رؤية وزارة البترول المصرية التزامًا راسخًا بالابتكار والتطوير المستمر لقطاع الطاقة، مع وضع التكنولوجيا المتقدمة في صميم جهودها لضمان مستقبل مستدام لإنتاج الغاز، يخدم الأهداف التنموية للبلاد ويعزز دورها على خريطة الطاقة العالمية.