غياب حركة فتح عن اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة: الأسباب والتداعيات

شهدت العاصمة المصرية القاهرة، في الآونة الأخيرة، اجتماعات مكثفة للفصائل الفلسطينية الكبرى، تهدف إلى بحث التطورات الراهنة في الساحة الفلسطينية، وخاصة ما يتعلق بمستقبل قطاع غزة بعد الحرب الدائرة والجهود الرامية لتوحيد الصف الفلسطيني. ومع ذلك، سجلت هذه الاجتماعات غيابًا لافتًا لحركة فتح، الفصيل الأكبر في منظمة التحرير الفلسطينية، ما أثار تساؤلات عديدة حول أسباب هذا الغياب وتداعياته المحتملة على مستقبل الوحدة الفلسطينية.

تأتي هذه التطورات في سياق سياسي معقد، حيث تتصاعد الدعوات الإقليمية والدولية لإيجاد حل شامل لقضية غزة، بما في ذلك ترتيبات ما بعد الحرب وإدارة القطاع. وقد برزت القاهرة كمركز دبلوماسي رئيسي لتلك المساعي، في محاولة لجمع الأطراف الفلسطينية المختلفة على طاولة حوار واحدة.

خلفية الانقسام الفلسطيني وجهود المصالحة

يعود الانقسام العميق بين حركتي فتح وحماس إلى عام 2007، عندما سيطرت حماس على قطاع غزة بعد اشتباكات داخلية، مما أدى إلى إقامة إدارتين منفصلتين في الضفة الغربية وغزة. منذ ذلك الحين، شهدت العلاقات بين الحركتين محاولات عديدة للمصالحة، بوساطات مصرية وقطرية وغيرها، لكن جميعها باءت بالفشل في تحقيق وحدة دائمة وفاعلة.

كانت هذه المحاولات تتركز عادة حول قضايا مثل تشكيل حكومة وحدة وطنية، إجراء انتخابات عامة، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية. ومع كل جولة مفاوضات، تبرز خلافات جوهرية تتعلق بتقاسم السلطة، الشرعية الدستورية، والنهج السياسي تجاه الاحتلال الإسرائيلي والمجتمع الدولي.

أسباب غياب حركة فتح عن الاجتماع

أفادت مصادر مطلعة وتقارير إعلامية أن قرار حركة فتح بعدم المشاركة في اجتماع القاهرة الأخير كان مدفوعًا بعدة عوامل رئيسية:

الخلاف حول الأجندة والهدف: أكدت حركة فتح أن أي حوار جاد يجب أن يكون في إطار شامل يعالج جميع قضايا الوحدة الوطنية، وليس فقط ملف قطاع غزة بمعزل عن السياق الوطني الأوسع. وترى فتح أن التركيز على غزة فقط دون إطار وطني شامل يمكن أن يعزز الانقسام بدلاً من إنهائه.
مسألة الشرعية: تصر حركة فتح على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأن أي ترتيبات مستقبلية يجب أن تتم تحت مظلتها وبمباركة القيادة الفلسطينية الشرعية ممثلة بالرئيس محمود عباس. وترفض الحركة أي صيغة قد تمنح شرعية متساوية لجهات لا تندرج تحت مظلة المنظمة.
عدم تحديد “اليوم التالي” لغزة: ترى فتح أن الحديث عن إدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب يجب أن يكون جزءًا من رؤية سياسية أوسع وأكثر وضوحًا تتضمن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. كما أنها ترفض العودة إلى سيناريو ما قبل 7 أكتوبر 2023، الذي فرضته سيطرة حماس على القطاع، مؤكدة على ضرورة إنهاء هذه السيطرة.
خلافات جوهرية مع حماس: لا تزال هناك فجوة عميقة في المواقف بين فتح وحماس حول قضايا رئيسية، مثل الاعتراف بالاتفاقيات الدولية، مقاومة الاحتلال، وشكل النظام السياسي الفلسطيني المستقبلي. وترى فتح أن حماس لم تلتزم بما يكفي بالاتفاقات السابقة، مما يجعل الحوار الحالي غير مثمر دون تغيير حقيقي في مواقف حماس.
الضغط الإقليمي والدولي: تشير بعض التحليلات إلى أن حركة فتح ربما تكون قد تلقت إشارات من أطراف إقليمية ودولية (خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل) تحثها على عدم المشاركة في اجتماعات تضم حماس دون شروط مسبقة تتعلق بالاعتراف بسياسات معينة.

تداعيات الغياب على المشهد الفلسطيني

إن غياب حركة فتح عن اجتماع القاهرة له تداعيات خطيرة ومتعددة على المشهد الفلسطيني، أبرزها:

تعميق الانقسام: يؤدي هذا الغياب إلى تعميق الشرخ بين الفصائل، ويصعب من مهمة تحقيق الوحدة الوطنية المطلوبة بشدة، خاصة في ظل التحديات الجسام التي تواجه القضية الفلسطينية حاليًا.
تعطيل جهود “اليوم التالي” لغزة: مع استمرار الحرب في غزة، تزداد الحاجة الملحة لوضع خطة واضحة لإدارة القطاع في المستقبل. وغياب فتح، التي تعد جزءًا أساسيًا من السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليًا، يعرقل أي تقدم في هذا الملف، ويترك فراغًا قد تستغله أطراف أخرى.
إضعاف الموقف الفلسطيني: يؤثر عدم توحد الصف الفلسطيني سلبًا على قدرة الفلسطينيين على التفاوض مع المجتمع الدولي والأطراف الإقليمية بفاعلية، ويضعف موقفهم في المطالبة بحقوقهم الوطنية.
تحديات للوساطة المصرية: يمثل غياب فتح تحديًا للجهود المصرية الرامية إلى لم الشمل الفلسطيني، وقد يضطر الوسطاء إلى البحث عن مقاربات جديدة أو تكثيف الضغوط على الأطراف للتوصل إلى حلول وسط.
خيبة أمل شعبية: يشعر الشارع الفلسطيني بخيبة أمل من استمرار الانقسام، الذي يعرقل قدرتهم على مواجهة الاحتلال وتحقيق تطلعاتهم نحو الحرية والاستقلال.

الخاتمة

يبقى غياب حركة فتح عن اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة مؤشرًا واضحًا على حجم التحديات التي تواجه الوحدة الوطنية الفلسطينية. وبينما تتواصل الجهود الدبلوماسية لاحتواء الأزمة في غزة وإيجاد حلول سياسية، فإن السبيل الوحيد نحو مستقبل مستقر وموحد يمر حتمًا عبر تجاوز الخلافات الداخلية وتوحيد الصف الفلسطيني تحت مظلة وطنية جامعة وشرعية، وهو ما يتطلب تنازلات حقيقية وإرادة سياسية من جميع الأطراف.