من البنزينة للعقارات: استثمارات نجوم الكرة المصرية خارج المستطيل الأخضر

لم يعد تركيز نجوم كرة القدم المصرية مقتصرًا على الأداء داخل الملاعب فحسب، بل امتد ليشمل آفاقًا أوسع في عالم الأعمال والاستثمار. فمع قصر العمر الافتراضي للمسيرة الكروية والدخل المرتفع الذي يجنيه اللاعبون البارزون، أصبح التوجه نحو تأمين المستقبل المالي من خلال مشاريع متنوعة أمرًا بالغ الأهمية، وشهدت السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في هذا التوجه.

خلفية تاريخية وأهمية الاستثمار للاعبي كرة القدم

تُعد كرة القدم مهنة قصيرة الأجل نسبيًا، حيث يصل غالبية اللاعبين إلى ذروتهم في أواخر العشرينات أو أوائل الثلاثينات من العمر، ويتقاعد معظمهم قبل سن الأربعين. يفرض هذا الواقع تحديًا كبيرًا يتمثل في ضرورة التخطيط للمرحلة ما بعد الاعتزال، والتي قد تمتد لعقود طويلة. في الماضي، عانى العديد من اللاعبين من ضائقات مالية بعد انتهاء مسيرتهم الكروية نتيجة لعدم وجود تخطيط مالي سليم أو استثمارات مدروسة. هذه التجارب المريرة شكلت حافزًا قويًا للأجيال اللاحقة للبحث عن سبل مستدامة للحفاظ على ثرواتهم وتنميتها.

اليوم، ومع التطور الكبير في عقود اللاعبين وحقوق البث والإعلانات، أصبحت المداخيل المالية لنجوم كرة القدم تتجاوز ما كانت عليه في السابق بكثير، مما يوفر لهم الفرصة للاستثمار في قطاعات مختلفة تضمن لهم دخلًا مستمرًا واستقرارًا ماليًا بعد أن يخلعوا أحذيتهم الرياضية.

أنواع الاستثمارات الشائعة بين اللاعبين المصريين

تتنوع المشاريع الاستثمارية التي يختارها نجوم الكرة المصرية، متراوحة بين القطاعات التقليدية والحديثة، ويعكس هذا التنوع الرغبة في توزيع المخاطر وتحقيق عوائد مجزية:

العقارات: تُعد الاستثمارات العقارية من أكثر الخيارات شيوعًا وأمانًا. يفضل العديد من اللاعبين شراء الأراضي، الوحدات السكنية، أو المحلات التجارية، سواء بغرض الإيجار أو إعادة البيع لتحقيق أرباح رأسمالية. تُعرف العقارات باستقرارها النسبي وقدرتها على حفظ قيمة المال على المدى الطويل.
محطات الوقود: على نحو لافت للنظر، اتجه بعض اللاعبين، وفي مقدمتهم أسماء لامعة، إلى الاستثمار في قطاع محطات الوقود. يُنظر إلى هذا النوع من المشاريع كاستثمار طويل الأجل يوفر تدفقًا نقديًا مستمرًا نظرًا للطلب الدائم على المحروقات والخدمات المصاحبة لها، مثل مراكز الصيانة والمتاجر الصغيرة الملحقة.
المطاعم والمقاهي: تُعتبر مشاريع المطاعم والمقاهي من الاستثمارات الجذابة لنجوم الكرة، حيث يمكنهم استغلال شهرتهم للترويج لها. تتيح هذه المشاريع لهم التفاعل المباشر مع الجمهور وتقديم تجارب اجتماعية، وتتراوح بين المقاهي العصرية والمطاعم المتخصصة.
المشاريع الرياضية والأكاديميات: يُعد هذا النوع من الاستثمار امتدادًا طبيعيًا لمسيرتهم الكروية. يفتتح اللاعبون السابقون والحاليون أكاديميات لتعليم كرة القدم للناشئين، أو يستثمرون في صالات الألعاب الرياضية (الجيم)، مستفيدين من خبرتهم وشبكة علاقاتهم في المجال الرياضي.
التجارة والعلامات التجارية: يدخل بعض اللاعبين عالم التجارة من خلال الاستثمار في وكالات السيارات، محلات الملابس، أو حتى إطلاق علامات تجارية خاصة بهم في مجالات مثل الأزياء الرياضية أو العطور، مستغلين قاعدة جماهيرهم الواسعة.

أمثلة بارزة من نجوم الكرة المصرية المستثمرين

شهدت الساحة الكروية المصرية بروز عدد من اللاعبين الذين نجحوا في بناء محافظ استثمارية قوية:

الكابتن حسام غالي: يُعد حسام غالي، نجم الأهلي السابق ومدير الكرة الحالي، من أبرز الأمثلة على اللاعبين الذين نوعوا استثماراتهم بنجاح. تُشير التقارير إلى امتلاكه لعدة محطات وقود، بالإضافة إلى استثماراته في قطاع العقارات والمجال التجاري، مما يعكس رؤيته الاستثمارية البعيدة المدى.
محمد صلاح: على الرغم من أن تفاصيل استثماراته لا تُعلن بشكل واسع، يُعرف النجم العالمي محمد صلاح بحرصه على الإدارة المالية الحكيمة. تُركز معظم استثماراته المعلنة على العقارات في مصر والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى استثمارات مالية تُدار من قبل متخصصين، ويعتبر نموذجًا للاعب الذي يجمع بين التألق الكروي والفطنة المالية.
أحمد فتحي وعصام الحضري: يمتلك كل من النجمين أحمد فتحي وعصام الحضري محافظ عقارية متنوعة، كما دخل الحضري في بعض المشاريع التجارية الأخرى، مما يؤكد على أهمية هذا القطاع للاعبين.
نجوم الجيل السابق: لم يقتصر الأمر على الجيل الحالي، فقد كان نجوم سابقون مثل محمود الخطيب، رئيس النادي الأهلي الحالي وأسطورته، يمتلكون رؤية استثمارية مبكرة في العقارات وغيرها، مما ساهم في استقرارهم المالي بعد الاعتزال.

الدوافع والتحديات التي تواجه اللاعبين المستثمرين

تتمثل الدوافع الرئيسية للاعبين في البحث عن الاستقرار المالي بعد انتهاء مسيرتهم الكروية، وتنمية ثرواتهم، بالإضافة إلى شغف البعض بدخول عالم الأعمال واكتساب خبرات جديدة. ومع ذلك، لا تخلو هذه الرحلة من التحديات، أبرزها إدارة المشاريع التجارية بالتزامن مع الالتزامات التدريبية والمباريات، بالإضافة إلى مخاطر تقلبات السوق والحاجة إلى الخبرة الكافية لتجنب الخسائر. لذا، يُصبح البحث عن استشارة مالية وقانونية متخصصة أمرًا حاسمًا.

التوقعات المستقبلية والتوجهات الحديثة

في الفترة الراهنة، تتجه الأنظار نحو تزايد وعي اللاعبين بأهمية التخطيط المالي المبكر والاستثمار المستدام. من المتوقع أن يشهد المستقبل زيادة في التعاون بين اللاعبين والمؤسسات المالية وشركات إدارة الأصول لتوفير حلول استثمارية أكثر احترافية وتنوعًا. كما قد تتوسع المشاريع لتشمل مجالات التكنولوجيا والشركات الناشئة، مما يعكس التطورات الاقتصادية العالمية وتنوع اهتمامات جيل اللاعبين الجديد.

في الختام، تُشكل استثمارات نجوم الكرة المصرية خارج المستطيل الأخضر ظاهرة إيجابية تعكس نضجًا ماليًا متزايدًا بين الرياضيين. إنها خطوة مهمة نحو تأمين مستقبلهم وتساهم في الوقت ذاته في الحراك الاقتصادي للبلاد، وتقدم نموذجًا للشباب الطموح بأن النجاح في مجال واحد يمكن أن يفتح الأبواب لمجالات نجاح أخرى.