تداعيات استدعاء طائرات إيرباص: شركات طيران سعودية وعالمية تتخذ إجراءات عاجلة

يشهد قطاع الطيران العالمي تحديات تشغيلية ومالية كبيرة في أعقاب إعلان شركة RTX، الشركة الأم لـبرات آند ويتني، عن وجود عيب صناعي في محركاتها النفاثة من طراز Geared Turbofan (GTF). وقد أدى هذا الإعلان، الذي صدر في صيف عام 2023، إلى إطلاق عملية استدعاء واسعة النطاق تشمل آلاف المحركات المركبة على طائرات إيرباص من عائلة A320neo، مما أجبر شركات الطيران في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، على اتخاذ إجراءات فورية لإدارة الأزمة وتخفيف تأثيرها على عملياتها.

خلفية الأزمة: مشكلة في محركات "برات آند ويتني"

يكمن جوهر المشكلة في اكتشاف تلوث نادر في مسحوق المعادن المستخدم في تصنيع أقراص التوربينات عالية الضغط لعدد كبير من محركات PW1100G-JM. ووفقاً لـبرات آند ويتني، قد يؤدي هذا العيب إلى تكوّن شقوق دقيقة مع مرور الوقت، مما يفرض مخاطر محتملة على سلامة الطيران ويستدعي إجراء فحوصات عاجلة ومكثفة. ولا تتعلق المشكلة بهيكل طائرات إيرباص نفسها، بل بأحد المكونات الحيوية التي يوردها طرف ثالث، مما يسلط الضوء على مدى تعقيد سلاسل الإمداد في صناعة الطيران الحديثة. يتطلب الإجراء التصحيحي إزالة المحركات المتأثرة من أجنحة الطائرات وإرسالها إلى ورش متخصصة لإجراء فحص دقيق قد يستغرق ما بين 250 إلى 300 يوم لكل محرك، وهو ما يمثل تحدياً لوجستياً هائلاً.

نطاق الاستدعاء وتأثيره العالمي

أوضحت شركة RTX أن الاستدعاء سيؤثر على ما يقرب من 3,000 محرك تم تصنيعها بين أواخر عام 2015 وأوائل عام 2021، مما يعني أن مئات الطائرات حول العالم ستضطر للتوقف عن الخدمة بشكل مؤقت. وتُعد عائلة طائرات A320neo من أكثر الطائرات ضيقة البدن مبيعاً وشيوعاً، وتعتمد عليها العديد من شركات الطيران لتشغيل رحلاتها القصيرة والمتوسطة المدى. وقد بدأت التأثيرات تظهر بوضوح على شركات طيران عالمية كبرى مثل لوفتهانزا الألمانية، وويز إير المجرية، وسبيريت إيرلاينز الأمريكية، التي أعلنت جميعها عن جداول زمنية لإيقاف عشرات الطائرات من أساطيلها لإجراء الفحوصات اللازمة، مما أدى إلى انخفاض في السعة المقعدية وتعديلات في جداول الرحلات.

استجابة شركات الطيران السعودية

في المملكة العربية السعودية، أثرت الأزمة بشكل مباشر على شركات الطيران التي تعتمد على طائرات A320neo المجهزة بمحركات برات آند ويتني. وتُعتبر شركة طيران ناس، وهي من أبرز شركات الطيران الاقتصادي في المنطقة، من بين المشغلين الرئيسيين لهذا الطراز. كما يشمل التأثير شركة طيران أديل، الذراع الاقتصادي للخطوط الجوية السعودية. استجابت هذه الشركات للأزمة من خلال التنسيق الوثيق مع شركتي إيرباص وبرات آند ويتني لوضع خطط لإجراء الفحوصات المطلوبة بشكل منظم. وتعمل شركات الطيران المتأثرة على إعادة هيكلة شبكاتها التشغيلية، بما في ذلك استئجار طائرات بديلة وتعديل ترددات الرحلات، بهدف تقليل الاضطرابات التي قد يواجهها المسافرون قدر الإمكان. كما يُتوقع أن تسعى هذه الشركات للحصول على تعويضات مالية من الشركة المصنعة للمحركات لتغطية الخسائر الناجمة عن توقف الطائرات عن العمل والتكاليف الإضافية.

التداعيات الاقتصادية والتشغيلية

يمثل هذا الاستدعاء عبئاً مالياً ضخماً على شركة RTX، التي خصصت مليارات الدولارات لتغطية تكاليف الإصلاحات والتعويضات لعملائها من شركات الطيران. أما بالنسبة لشركات الطيران، فتتمثل التداعيات في تحديات متعددة، منها:

انخفاض السعة التشغيلية: يؤدي إيقاف عدد كبير من الطائرات إلى نقص في عدد المقاعد المتاحة، خاصة خلال مواسم الذروة.
ارتفاع التكاليف: تضطر الشركات إلى تحمل تكاليف إضافية مرتبطة بصيانة المحركات، واستئجار طائرات بديلة بأسعار مرتفعة، وإدارة الاضطرابات في جداول الرحلات.
التأثير على الإيرادات: قد يؤدي انخفاض السعة إلى فقدان جزء من الإيرادات، على الرغم من أن بعض المحللين يتوقعون أن يؤدي نقص العرض إلى ارتفاع أسعار التذاكر، مما قد يعوض جزءاً من الخسائر.

وفي الختام، يُنظر إلى هذه الأزمة على أنها اختبار حقيقي لمرونة قطاع الطيران العالمي وقدرته على التعامل مع التحديات الفنية غير المتوقعة. وبينما تتركز الجهود حالياً على ضمان سلامة الأسطول العالمي من خلال إتمام عمليات الفحص والإصلاح، ستستمر تداعيات هذا الاستدعاء في التأثير على أداء شركات الطيران والأسواق لعدة سنوات قادمة.