مواقف الشيخ حكمت الهجري: مطالبات بالاستقلال التام، فما هو موقف السويداء؟

في الأيام الأخيرة، تصاعدت حدة التوترات والمطالبات السياسية في محافظة السويداء جنوب سوريا، مع تكرار الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز الزعامات الروحية للطائفة الدرزية، لمطالب بالاستقلال الذاتي الكامل للمحافظة. هذه التصريحات والمواقف ليست بجديدة، لكنها تكتسب زخماً متزايداً في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية التي تشهدها المنطقة، مما يدفع بالتساؤل عن حقيقة ما يريده أهالي السويداء ومستقبل محافظتهم.

خلفية تاريخية وسياسية لمحافظة السويداء

تتمتع محافظة السويداء، الواقعة في الجنوب السوري، بوضع فريد يميزها عن باقي المحافظات. فهي الموطن الرئيسي لأغلبية أبناء الطائفة الدرزية في سوريا، ولها تاريخ طويل من الإدارة الذاتية والمقاومة لأي محاولات للسيطرة المركزية الكاملة، سواء في عهد الانتداب الفرنسي أو بعد استقلال سوريا. هذا التاريخ يعزز الشعور بالهوية المنفصلة والرغبة في إدارة شؤونها الداخلية بنفسها.

تزايدت التحديات التي تواجه السويداء بشكل خاص منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011. ورغم أنها ظلت بمنأى نسبياً عن الصراعات المسلحة الكبرى التي اجتاحت أجزاء أخرى من البلاد، إلا أنها عانت من تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية. انتشرت فيها جماعات مسلحة محلية، ومرت منها طرق تهريب المخدرات (خاصة حبوب الكبتاغون)، مما أسهم في فوضى أمنية وتفاقم حالة السخط الشعبي.

مطالب الشيخ الهجري وجوهرها

تتمحور دعوات الشيخ حكمت الهجري حول ضرورة أن تتولى محافظة السويداء مسؤولية أمنها وإدارتها الذاتية دون تدخل من قوات الحكومة المركزية أو الميليشيات التابعة لها. يمكن تلخيص أبرز نقاط هذه المطالب في الآتي:

الإدارة الذاتية: دعوة إلى إدارة شؤون المحافظة داخلياً بواسطة مؤسسات محلية منتخبة أو متفق عليها، مع رفض للوصاية الخارجية.
الأمن الذاتي: تشكيل قوة أمنية محلية من أبناء المحافظة تتولى حماية الحدود الداخلية والخارجية للمحافظة ومكافحة الجريمة وتهريب المخدرات.
رفض التجنيد الإلزامي: الإصرار على عدم إرسال شباب السويداء للقتال خارج حدود المحافظة ضمن صفوف الجيش السوري.
تحسين الأوضاع المعيشية: دعوات صريحة للحكومة بتوفير الخدمات الأساسية من وقود وكهرباء ومياه، ومعالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة.
نبذ الفساد: مطالبات بمحاسبة الفاسدين ووضع حد للتدخلات التي تعيق عمل المؤسسات المحلية.

يُنظر إلى هذه المطالب، التي يصفها البعض بأنها دعوات للاستقلال التام، على أنها محاولة لانتزاع صلاحيات واسعة من الحكومة المركزية في دمشق، تهدف إلى حماية الطائفة الدرزية ومصالحها في ظل تدهور الأوضاع العامة في البلاد.

موقف أهالي السويداء والاحتجاجات الأخيرة

تعكس تصريحات الشيخ الهجري إلى حد كبير تطلعات جزء واسع من أهالي السويداء الذين خرجوا في احتجاجات شعبية متواصلة منذ منتصف عام 2023 وحتى مطلع 2024. بدأت هذه الاحتجاجات، التي شهدت مشاركة واسعة النطاق، احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية وتردي الخدمات، وسرعان ما تحولت إلى مطالبات سياسية تطالب بإسقاط الفساد وتحقيق الإدارة الذاتية للمحافظة.

على الرغم من وجود بعض الأصوات التي تفضل الحفاظ على الروابط مع الحكومة المركزية أو التي تخشى من تداعيات الانفصال التام، فإن الغالبية العظمى من المتظاهرين والناشطين في السويداء تدعم المطالب الأساسية بإنهاء الفوضى الأمنية وتمكين المحافظة من إدارة شؤونها. هم يسعون إلى بيئة آمنة ومستقرة تسمح لهم بالعيش بكرامة وحماية هويتهم الخاصة.

تداعيات ومستقبل الأزمة

إن دعوات الاستقلال الذاتي في السويداء تمثل تحدياً كبيراً لسلطة الحكومة السورية، التي ترفض أي شكل من أشكال الانفصال أو التجزئة للأراضي السورية. رد فعل دمشق عادة ما يكون حذراً، يجمع بين محاولات التهدئة والتفاوض وبين ممارسة الضغط المحدود، لتجنب تصعيد قد يؤدي إلى اشتباكات مسلحة واسعة النطاق في منطقة حساسة.

تثير هذه التطورات قلقاً إقليمياً، خاصة لدى الأردن الذي يرى في استقرار السويداء أهمية قصوى لأمن حدوده الشمالية ووقف تدفق المخدرات. كما أن موقع السويداء الجغرافي يجعلها محط أنظار قوى إقليمية أخرى.

يبقى مستقبل السويداء مرهوناً بقدرة الأطراف المحلية على توحيد صفوفها، وبمدى استعداد الحكومة السورية لتقديم تنازلات حقيقية بشأن الإدارة المحلية والأمن، في محاولة للحفاظ على وحدة البلاد مع الاعتراف بالخصوصية التاريخية والجغرافية للمحافظة.