عصام درويش يستعرض تأثير آدم حنين في مسيرته الفنية ومفهوم "البصة الثانية"

في تصريحات فنية حديثة، ألقى الدكتور الفنان عصام درويش الضوء على مراحل هامة من رحلته الإبداعية، مسلطًا الضوء بشكل خاص على العلاقة المحورية التي جمعته بالقامة الفنية الكبيرة آدم حنين، وكاشفًا عن أثر هذه العلاقة في تكوين رؤيته الفنية وفهمه لمفهوم "البصة الثانية". جاءت هذه التصريحات لتقدم منظورًا عميقًا حول التأثيرات التي تشكل مسيرة الفنان، وتؤكد على أهمية الروابط الإنسانية والفنية في صقل المواهب وتوجيه المسارات الإبداعية.

خلفية فنية: مسيرة عصام درويش وبدايات الشغف

بدأ عصام درويش رحلته مع عالم الفن في عمر مبكر جدًا، وهو في الرابعة من عمره، متأثرًا ببيئة عمه الذي كان يصطحبه إلى كلية التربية الفنية. هذه التجارب المبكرة زرعت فيه بذور شغف عميق بالرسم. ومع مرور الوقت، بدأ هذا الشغف يتطور ويأخذ منحى آخر، حيث تزايد إحساسه بالنحت ليصبح أكثر قوة من الرسم. رأى درويش في النحت تعبيرًا عن جزء أصيل من روحه، ومسارًا فنيًا كان مقدرًا له أن يسلكه، معتبرًا إياه وسيلته المثلى للتعبير عن ذاته وعن رؤاه الفنية المعقدة.

آدم حنين: قامة فنية أثرت في أجيال

لتقديم سياق كامل لتصريحات درويش، لا بد من الإشارة إلى مكانة آدم حنين (1929-2024) كأحد رواد فن النحت في مصر والعالم العربي. عُرف حنين بأسلوبه الفريد الذي يجمع بين الأصالة المصرية القديمة والحداثة، وقد كرّس حياته لاستكشاف المادة وتشكيلها، تاركًا بصمة خالدة في الفن التشكيلي. كانت أعماله، سواء في البرونز أو الجرانيت أو الخشب، تتسم بعمق فلسفي وقوة تعبيرية، مما جعله معلمًا وملهمًا لأجيال عديدة من الفنانين، وكان درويش واحدًا من هؤلاء الفنانين المحظوظين الذين تلقوا توجيهاته.

كواليس العلاقة ومفهوم "البصة الثانية"

بحسب درويش، لم تكن علاقته بآدم حنين مجرد علاقة أستاذ بتلميذ بالمعنى التقليدي، بل كانت شراكة فنية وإنسانية عميقة. يصف درويش حنين بأنه "علمني البصة الثانية"، وهو تعبير يحمل دلالات عميقة تتجاوز مجرد رؤية الأشياء بسطحية. يشير هذا المفهوم إلى قدرة الفنان على:

التعمق في جوهر المادة: تجاوز الشكل الخارجي للمادة والنظر إلى إمكانياتها الكامنة وقدرتها على التعبير.
فهم العلاقات المكانية: إدراك كيفية تفاعل الأشكال والأحجام مع الفراغ المحيط بها، وكيف يمكن للنحت أن يخلق حوارًا مع المحيط.
استشعار البعد الزمني: رؤية العمل الفني ليس ككائن جامد، بل ككيان يحمل تاريخًا ويستمر في التأثير عبر الزمن.
قراءة ما وراء الظاهر: القدرة على استكشاف المعاني الخفية والطبقات الفلسفية التي يمكن أن تتجلى في العمل الفني، بعيدًا عن التفسيرات السطحية المباشرة.

لقد أرشد حنين درويش نحو هذه الرؤية الشاملة، التي مكنته من بناء علاقة أكثر حميمية وعمقًا مع أعماله النحتية، وجعلته يرى كل قطعة ليس فقط كشكل، بل كفكرة، كشعور، وكرسالة.

تأثير حنين على أسلوب درويش الفني

كان لـآدم حنين تأثير مباشر وعميق على الأسلوب الفني لـعصام درويش، خاصة في تبنيه لنظرة فلسفية تجاه النحت. لم يقتصر التأثير على الجانب التقني فحسب، بل امتد ليشمل فهم درويش للمادة وكيفية التعامل معها بحدس وعمق. أصبح درويش بفضل هذه الإرشادات أكثر قدرة على رؤية الإمكانات التعبيرية في المواد المختلفة، سواء كانت أحجارًا صلبة أو معادن مطواعة، وكيف يمكن لهذه المواد أن تروي قصصًا وتجسد مفاهيم مجردة. هذه الرؤية انعكست في أعمال درويش التي غالبًا ما تتميز بتجريدها، وبحثها عن الجوهر، وبتعبيرها عن حالات إنسانية عميقة من خلال أشكال مبسطة لكنها قوية التأثير. مفهوم "البصة الثانية" منحه الأدوات اللازمة لفك شفرة الأشكال وتقديمها بلغة فنية فريدة.

أهمية هذه التصريحات في المشهد الفني

تكتسب تصريحات عصام درويش أهمية خاصة لعدة أسباب:

توثيق الأثر: تساهم في توثيق الأثر الكبير الذي تركه آدم حنين على الجيل التالي من الفنانين، مؤكدة دوره كمُعلم وملهم لا يقل أهمية عن دوره كفنان.
فهم أعمق لأعمال درويش: توفر مفتاحًا لفهم أعمق لأعمال درويش النحتية، حيث يمكن للمتلقي الآن أن يدرك الجذور الفلسفية والرؤيوية التي شكلت هذه الأعمال.
تسليط الضوء على الإرث الفني: تعزز هذه الكواليس قيمة الإرث الفني المصري، وتظهر كيف تتواصل الأجيال الفنية وتورث الخبرات والرؤى.
إلهام الفنانين الشباب: قد تلهم هذه الرواية الفنانين الشباب للبحث عن مرشدين وملهمين، وللتعمق في دراسة الفن ومفاهيمه بدلاً من الاكتفاء بالجانب السطحي.

إن كشف عصام درويش عن هذه الكواليس ليس مجرد سرد لتاريخ شخصي، بل هو إثراء للمشهد الفني، يقدم رؤية ثاقبة حول العملية الإبداعية وتأثير العلاقات الإنسانية العميقة في تشكيلها. تستمر هذه العلاقة الفنية في إلقاء بظلالها على أعمال درويش، لتقدم دائمًا "بصة ثانية" لكل من يتأمل إبداعاته.